كما ذكرت في المقال السابق، برزت خلافات بين أسرة الحكم في قطر وبين عشيرة البوعينين القوية التي كانت تسكن في بلدة الوكرة القريبة من الدوحة، وكانت الخلافات تتركز حول ضرائب الغوص وبيع اللؤلؤ.
وقد رويت في مقال الأسبوع الماضي قصة حجز أحد رجال البوعينين وتفاصيلها (وكنت قد ذكرت أنه شيخ البوعينين، والصحيح أنه أحد رجالها وليس شيخ القبيلة)، ويبدو أن الأمور بعد ذلك لم تتحسن ومر عليها وقت طويل دون أن تخف حدة الخلافات. وفي شهر أكتوبر عام 1908، كتبت الوكالة البريطانية تقريراً آخر حول تطورات الخلاف ذكرت فيه أنه قبل شهر (من تاريخ التقرير) طالب الشيخ عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني من البوعينين دفع ضريبة الغوص السنوية الاعتيادية، إلا أن البوعينين رفضوا دفعها، مما دفع الشيخ عبدالرحمن إلى مصادرة كمية كبيرة من أسلحتهم والاحتفاظ بها في قلعته، كما منعهم من ورود آبار المياه المسموح لهم بورودها في السابق.ورغم أن البوعينين أبدوا مرونة إثر ذلك، فإن عبدالرحمن بن ثاني تشدد في تعامله معهم وطالبهم بدفع 10.000 ريال، وأصدر أمراً بترحيل ستة من كبار زعمائهم.يقول التقرير إن البوعينين، كرد فعل على قرارات الشيخ عبدالرحمن، بدأوا بمناقشة فكرة الرحيل من الوكرة إلى أماكن أخرى، منعاً لوقوع مواجهة مع آل ثاني الذين يرتبطون بهم بأواصر القربى والمصاهرة، واستعرضوا الخيارات المتاحة أمامهم، وهي الانتقال إلى "قصر الصْبيح" الذي يبعد 30 ميلاً شمال القطيف وتعيش فيه مجموعة قليلة العدد من قبيلة بني خالد، أو الانتقال إلى عسكر في جزيرة البحرين، أو الانتقال إلى بلدة "العديد" في قطر.وقد استغرق اتخاذ قرار الرحيل من الوكرة وقتاً طويلاً، وذلك بسبب حاجة البوعينين إلى التنسيق مع جهات عديدة، وأخذ موافقة قبل التحرك من موطنهم الذي هم فيه آنذاك. ويبدو أن قرار الرحيل الذي اتخذه قادة البوعينين قد وصل إلى أسماع زعماء الدوحة، فسارع الشيخ جاسم بن ثاني (والد عبدالرحمن) إلى الانتقال من "الوسيل" إلى الدوحة، وكلف ابن أخيه خالد بن محمد آل ثاني للاجتماع مع زعماء البوعينين لمناقشة الموضوع ودعوتهم للقاء مفتوح مع الشيخ جاسم. وفعلاً تم اللقاء في الدوحة، وكان لقاء ودياً أكد فيه الشيخ جاسم عمق العلاقات بين الطرفين، ومتانة أواصر الأخوة بين قبيلة المعاضيد (التي ينتمي إليها آل ثاني)، وقبيلة البوعينين، وتعهد لهم بأن عائلته وأفرادها لن يقدموا على شيء لتعكير صفاء هذه العلاقات التاريخية.وقد كان كلام الشيخ جاسم كافياً لإقناع البوعينين بعدم الرحيل والاستمرار في العيش في الوكرة. كما قام الشيخ عبدالرحمن بن جاسم بزيارة زعماء البوعينين، في خطوة يمكن أن نقول إنها اعتذار عما حصل، ورغبة صادقة في نسيان الماضي، كما ذكر التقرير البريطاني. وقبل أن أختم مقال اليوم أود أن أشير إلى كتاب قيم أصدره الزميل علي بن عيد الخاطر تحت عنوان "وثائق من الجبيل" تحدث فيه بشكل شمولي عن تاريخ البوعينين، وركز فيه على تأسيسهم لمدينة الجبيل السعودية. المقال المقبل سيتناول كيف انقلبت الأمور إلى عكس ما كان متوقعاً بين الطرفين والتطورات اللاحقة لذلك.
أخر كلام
صورة لها تاريخ : تقرير بريطاني: آل ثاني والبوعينين تصالحوا في نهاية عام 1908
12-09-2014