إن المحافظة على أمن دول مجلس التعاون لن تتحقق بالدعم الأميركي أو الأوروبي  فقط، بل بقوة الداخل وتماسكه، إذ إن الشعوب هي التي تحمي الدول، وهو الأمر الذي يتطلب قيام أنظمة دول التعاون بإصلاحات سياسية وديمقراطية حقيقية من شأنها تقوية الجبهة الداخلية، وعندئذ لن تستطيع أي جهة خارجية زعزعة أمن دولنا.  

Ad

العلاقات الدولية لا تقام على المحبة والكُره، بل على أساس المصالح، ولأن المصالح بطبيعتها متغيرة فإن العلاقات الدولية غير ثابتة، وإلا لما قامت أي علاقات بعد الحرب العالمية الثانية بين دول أوروبا (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا مثالا) أو بين أميركا واليابان.

وفيما يتعلق بالعلاقات الأميركية-الخليجية فمن المعروف أنها علاقات مصلحية استراتيجية، حيث إن منطقتنا الغنية بالنفط تعتبر منطقة مصالح حيوية، ونفوذ سياسي ليس لأميركا فقط، بل للدول الصناعية الرأسمالية كافة أيضا؛ لهذا السبب تحرص أميركا على أن تؤكد لدول مجلس التعاون أن علاقتها الجديدة مع إيران لن تكون على حساب علاقتها بدول الخليج العربية، ولكنها، في الوقت ذاته، تحتاج إلى إيران كقوة إقليمية مؤثرة، وتريد أن تفتح صفحة جديدة معها بحيث يكون لها دور أكبر في المنطقة يضمن المحافظة على المصالح الأميركية، وهذا معناه أن أميركا ستعمل بسياسة "الاحتواء المزدوج"، وهي السياسة التي سبق أن عملت بها مع إيران والعراق أيام الطاغية صدام.

من هذا المنطلق من المتوقع أن تؤكد أميركا في قمة "كامب ديفيد" تعهدها بحماية دول مجلس التعاون من أي تهديد خارجي وبالذات من إيران، ولكن المشكلة هنا أن الأمن الخارجي، مع أهميته بالطبع، يعتمد بالدرجة الأولى على تماسك الجبهة الداخلية وقوتها، لا على ضخامة ترسانة الأسلحة المُدمّرة التي تسوق لها حاليا مصانع الأسلحة الأميركية والأوروبية، وهو ما أكده، مرة أخرى، وزير الخارجية الأميركي قبل يومين عندما صرح لوسائل الإعلام إن "تفاهما أمنيا جديدا سيتم بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي"، مما يعني بقاء المنطقة بؤرة توتر دائمة بحيث يستمر سباق التسلح من أجل حل أزمة كبرى الشركات الرأسمالية.

وفي عالم اليوم لا يمكن الحديث عن تماسك الجبهة الداخلية من دون التطرق إلى الديمقراطية، وحماية الحريات وحقوق الإنسان، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، وقوة المجتمع المدني، وتحقيق العدالة الاجتماعية من أجل تحسين مستوى المعيشة ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة.

من هنا، فإن المحافظة على أمن دول مجلس التعاون لن تتحقق بالدعم الأميركي أو الأوروبي  فقط، بل بقوة الداخل وتماسكه، إذ إن الشعوب هي التي تحمي الدول، وهو الأمر الذي يتطلب قيام أنظمة دول التعاون بإصلاحات سياسية وديمقراطية حقيقية من شأنها تقوية الجبهة الداخلية، وعندئذ لن تستطيع أي جهة خارجية زعزعة أمن دولنا.