أنا أتخيّل...!

نشر في 09-10-2014
آخر تحديث 09-10-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على... التخيّل! مصادرة الخيال من الإنسان، مصادرة لإنسانيته، إلا أن الغريب حقا أن يقدّم الإنسان خياله هذا على طبق من الشغف ليد التكنولوجيا لتطبق قبضتها عليه! أصبح خيالنا تحت سلطة الأحكام العرفية لجهاز صغير بين أيدينا، جهاز صغير... يُرينا بضغطة زر ملامحنا بكل مختلف الأوضاع التي يمكن تصورها أذهاننا وأكثر، صور تجعلنا نمد ألسنتا ساخرين من آفاق أذهاننا.

أراحتنا التكنولوجيا الثلاثية الأبعاد حتى عدنا في غنى عن إجهاد مخيّلتنا من أجل الذهاب لمكان ما في الدنيا أو خارجها، فالخدمة الثلاثية الأبعاد قادرة على أن تجلب المكان إلينا بمجرد ارتداء... نظارة، أصبحنا أسرى لهذه الراحة، وأدمنّا ما توفره لنا من يسر للاستمتاع بالحياة!

ولكن التكنولوجيا تسرق منا دون أن نشعر إنسانيتنا، لأنها باختصار تقدم خدماتها الجليلة مقابل امتلاكها لنا عن طريق مزيد من التنازل لها عن انسانيتنا!

أصبح من المستحيل أن نكون ضمن دائرة الحياة المعاصرة إلا من خلال استخدامنا للتكنلوجيا. إنها ليست ترفاً ندلّل به ربيع أوقاتنا، إنها تذكرة لا بد من أن ندفع ثمنها مرغمين للانضمام الى نادي الحياة، بيدها تمنحنا النفَس، وبيدها الأخرى الأنابيب التي تحمل الهواء إلى رئاتنا.

أصبحت التكنولجيا لا تتحكم بحياتنا على الأرض فحسب، لكنها استطاعت أيضا أن تحيّد خيالنا، وأصبحت حياتنا تحت رحمتها، ومن مظاهر رحمتها أنها سلبت حياتنا منا ومنحتنا حياة افتراضية من صنع خيالها، وإمعانا قي إرباكنا، جعلت التكنولوجيا كثيرا من دروب عالمها الافتراضي يتقاطع مع حياتنا الواقعية، ويصبح حقيقة فاعلة فيها لمزيد من اللبس لأفكارنا، وتأكيدا على ملكيتها لنا!

المفجع أن هذه التكنولوجيا هي بيد أشخاص من البشر، هم سادتها، وهي الخادمة المطيعة لرغباتهم وشهواتهم، بمعنى أن سيدنا العظيم في هذه الحياة المعاصرة ليس التكنولوجيا، وإنما أولئك الذين تخدمهم التكنولوجيا ككلب وفيّ أحسن تدريبه، وسخروها لابتزازنا للتحكم في مصائرنا!

الفن إحدى الناجين القلائل من قبضة التكنولوجيا، لعدم قدرة التكنولوجيا على غلق نافذة الخيال فيه، وذلك لسبب عميق هو أن كينونة الفن تكمن في الخيال، لا يمكن للفن أن يتنفس بدونه.

الفن في جوهره محاولة لرسم حياة كما يتخيلها هو، فإذا سُلبت منه قدرته على التخيّل، كيف يمكنه رسم تلك الحياة، لذلك بقي الفن عصيّا على سيادة التكنولوجيا له، وبهذا بقي المبدعون أوفياء لإنسانيتهم بحماية الفن.

الذين يقفون ضد الفن، يساعدون عمدا أو بحسن نية على تحطيم آخر القلاع التي تحمي إنسانية الإنسان، وتنقذه من الوقوع في فخ العبودية باختياره.

الفن هو السبيل الوحيد لممارسة اللعب مع التكنولوجيا، وممارسة الذكاء عليها من خلال نافذة الخيال العصيّة على الإغلاق.

الذين يحاولون خنق الفن يحاولون الإجهاز على آخر صرخاتنا لاثبات مساحة خضراء لصوتنا في الحياة.

back to top