رغم طلب وزير الداخلية الأسبق الشيخ جابر الخالد من المجلس الأعلى للقضاء بتشكيل لجنة لإصلاح الإدارة العامة للتحقيقات، وتجاوب المجلس لطلب الوزير حينئذ بإنشاء فريق من النيابة العامة والقضاء برئاسة المحامي العام سلطان بوجروة، والذي وضع في تقريره النهائي والمسلم للوزير حينئذ جملة من التوصيات لإصلاح الإدارة العامة للتحقيقات، فإنه لا الوزير ولا الوزراء المتعاقبون حركوا ملف الإدارة، ولا حتى توصيات التقرير القضائي المعد من لجنة بوجروة!

Ad

وضع الإدارة العامة للتحقيقات لم يتغير منذ نشأتها، ولا يمكن له أن يتغير ما لم تتجه نية القياديين في الوزارة على وضع نهاية جيدة لهذه الإدارة تحقق لها تطوراً يليق بها، ويليق بالعاملين المؤهلين لديها، ومثل هذا التطور لن يتحقق إلا بثلاثة أمور لا رابع لها، وبإمكان المسؤولين العمل على تحقيقها، وهي إعادة الاختصاص للنيابة العامة في كل قضايا الجنح، مع الاستعانة بعدد من المحققين المدنيين ممن يثبت تأهيلهم القانوني والمهني لذلك بعد استبعاد العسكريين منهم، وإما أن تتبع الإدارة العامة للتحقيقات بوضعها الكامل إلى النائب العام وتحت إشرافه وفق ما اقترحته الحكومة بإنشاء الهيئة العامة للتحقيقات وبنقل إشرافها من وزارة الداخلية، لضمان استقلاليتها وحياديتها، وأخيراً الإبقاء على الوضع الحالي، مع فرض العديد من الإصلاحات الداخلية والعمل بتوصيات تقرير لجنة المستشار سلطان بوجروة، مع ندب أحد رجال القضاء أو النيابة العامة للإشراف على إداراتها.

لا يمكن القبول بأي حال من الأحوال بوضع الإدارة العامة للتحقيقات الحالي، ولا بطريقة عملها، ولا حتى تداخلها مع إدارات وزارة الداخلية ورجالها، لأن مثل هذا التداخل يضر بالحيدة والاستقلالية اللازمين لعمل الإدارة المكلفة بالتحقيق والمؤتمنة على حق المجتمع بالادعاء!

أكثر من ست سنوات مضت على وضع الحلول المنطقية من تقرير بوجروة القضائي، لإنهاء الوضع الحالي في الإدارة العامة للتحقيقات، ولم تحرك الوزارة شبراً واحداً، رغم أنها هي من طالبت مجلس القضاء والفريق بوضع حلول لإنهاء الخلل الذي تعيشه هذه الإدارة، وبعد أن طلبت من السلطة القضائية سرعة التدخل لمواجهة مكامن الخلل الحقيقية التي تعيشها!

استقلالية الجهاز بالكامل أو نقل تبعيته إلى النائب العام أو إصلاحه وفق التقرير القضائي مسؤولية كاملة على عاتق المسؤولين في وزارة الداخلية، وعلى الوزراء في الحكومة والنواب في المجلس، كما أن التأخير في مواجهة هذه المشكلة يعني القبول بتبعية الإدارة لوزارة الداخلية، وبتداخل عملها مع الإدارات الداخلية للوزارة، بما يعمل على فقد حيدتها واستقلاليتها، ويضر بحقوق المتهمين والعدالة كلها، ويجعل ضماناته كمتهم مهددة بالضياع!

ليس من الصعب أن تتحول الإدارة العامة للتحقيقات إلى نموذج مهني مستقل، كالذي تعيشه النيابة العامة اليوم، وليس من الصعب أيضاً أن يحيل المشرع أمر الاختصاص في التحقيق بكل قضايا الجنح لدى النيابة العامة ويلغيه عن الإدارة العامة للتحقيقات، تصحيحاً للخطأ التاريخي، وحفاظاً على حقوق المتهمين وضماناتهم التي قررتها القوانين وكفلتها مبادئ الدستور.