«حماس» وإيران عودة الابن الضال!
كل المبررات التي تحدثت عنها "حماس" للعودة إلى إيران، عودة الابن الضال، غير مقنعة، فإيران عندما احتضنت "حماس" في تسعينيات القرن الماضي كانت تريد إخراج تمثيل الشعب الفلسطيني من يد منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما كان يريده الرئيس السوري السابق حافظ الأسد بسعيه الدؤوب إلى استبدال هذه المنظمة بمنظمة أخرى، وتغيير عرفات برئيس وزعيم فلسطيني آخر من أولئك الذين جرى تلميعهم سنوات طويلة، ومن أجل مهمة كهذه المهمة.إن إيران مثلها مثل النظام السوري تعرف أن من يمتلك الورقة الفلسطينية يملك مفتاح الحلول السلمية في الشرق الأوسط، لذلك فإنها قد تجاوزت مسألة ركوب "حماس" موجة إسقاط بشار الأسد، تلاؤماً مع موقف تركيا، وموقف قطر، وموقف الإخوان المسلمين، وإعادة العلاقات معها، ليس حباً في فلسطين، ولا في "الجهاد" من أجل فلسطين، بل للمشاغبة على هذه الحركة الدولية الجارية الآن تجاه القضية الفلسطينية، وإفهام الأميركيين والأوروبيين أنها، أي الجمهورية الإسلامية، تملك "أهم" أوراق هذه القضية.
في العمل السياسي لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة، ومصلحة إيران، التي تعرف أن القضية الفلسطينية هي أهم أوراق الشرق الأوسط على الإطلاق، أنْ تقبل توسلات "حماس"، وأن تحتضنها مرة أخرى حتى بدون استشارة بشار الأسد، الذي كان قبل يوم واحد من هذا التطور يكيل لهذه الحركة في لقاء مع عدد من "المغتربين" الفلسطينيين أقذع الشتائم، ويتهمها بالتبعية لتركيا ولبعض الأنظمة العربية، ويقول فيها أكثر مما قاله مالك في الخمر. أرادت إيران من الإقدام على هذه الخطوة غير المستغربة ولا المفاجئة، أن تقول للأميركيين والأوروبيين إن عليهم أن "يراجعوها" هي وليس غيرها قبل أن يذهبوا بعيداً بالنسبة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المنشودة، وأنها غدت تمتلك بعد أن ملكت "حماس" نصف القرار الفلسطيني، وأنها باتت قادرة، كما في مرات سابقة، على إلهاب غزة بحربٍ جديدة تجعل الرئيس محمود عباس (أبومازن) مكبلاً وغير قادر على المضي في هذا الطريق الذي يسير فيه الآن... وحقيقة فإن هذا يفرح قلب بنيامين نتنياهو الذي حذَّر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بأن بديل انسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية هو حركة المقاومة الإسلامية.لقد افتعلت "حماس" حرب غزة الأخيرة، التي كانت إسرائيل تنتظر افتعالها على أحرّ من الجمر، بقرار من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ومن تركيا وبعض الدول العربية، وكان المقصود أولاً إحراج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وثانياً إعادة "تلميع" الجماعة الإسلامية، وثالثاً إضعاف منظمة التحرير، وحركة "فتح"، والرئيس محمود عباس (أبومازن)، وهذا ما كان يريده الإسرائيليون، الذين بالغوا جداً في هجومهم البربري على غزة، لإظهار الرئيس الفلسطيني بمظهر غير القادر، بل العاجز عن اتخاذ أي قرار يتعلق بالحلول المطروحة بالنسبة إلى الصراع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.هكذا فإن الواضح أن عودة "حماس" غير الميمونة إلى أحضان إيران ستستدرج حرباً جديدة على قطاع غزة، فالغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة على أهداف في هذا القطاع سبقها إطلاق صاروخ على عسقلان، وهنا فإن كل الدلائل تشير إلى أن طهران الآن، كما هي، في أمسّ الحاجة إلى افتعال حرب جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك لأن خلط الأوراق يخدمها في مفاوضات القدرات النووية مع الأميركيين، ويخدمها أيضاً في كل تدخلاتها العسكرية السافرة في العراق وسورية ولبنان واليمن ودولٍ أخرى من دول هذه المنطقة الملتهبة.