الكاتب نجماً
لا أتذكر في الربع قرن الماضي - على الأقل - أن شهدت معارض الكتب هذه الظواهر الطارئة، والتي تحدث اليوم من تهافت المعجبات والمعجبين على كتاب في مثل أعمارهم غالبا. كان الكاتب في ذلك الوقت يتلقى رسالة من أحد معجبيه ويفرح بها وربما لا يرد عليها لعدم معرفة مرسلها، وكان ذلك منتهى طموحه. ولكن الكاتب يومها كان كاتبا فعلا. ما يحدث الآن هو أمر لا علاقة له بالكتابة من قريب أو بعيد. ورغم أنني أقف مع الكتابة دون تحفظ، وأرى أن الحرف لا يحتاج وصيا عليه وحكمه للجمهور فقط في قبوله أو رفضه، فإننا أيضا نمتلك كل الحق في نقده وانتقاده ووضعه في إطاره الأدبي الذي نرى أنه يستحقه. وفي المقابل نتقبل أي رأي آخر يعارضنا في ذلك.ما حدث في معرض الكويت بالسنوات الأخيرة، وما حدث في الأيام السابقة في معرض القاهرة يجعلنا نعيد النظر في علاقة القارئ بالكتاب واقتصارها على علاقة القارئ بالكاتب. القارئ هنا ليس شخصا مهموما بالحرف والاعتناء بثقافة ما، حتى وإن كانت ثقافة مراهقين يكتبها البعض على مقاس رغباتهم أو نزواتهم، لكنه شخص محموم بشكل الكاتب ووسامته، وكل ما يربطه بالكاتب هو توقيع أو صورة يلتقطها بالهاتف معه.
لا أنكر أن الجمال كان ومازال يضع أشباه الشاعرات والروائيات في المقدمة، يحظين بدعم أسماء لها احترامها الأدبي ومكانتها الثقافية، وأحيانا كثيرة تتهم هذه الأسماء المعروفة، ولا أقول الكبيرة، في الكتابة للجميلات. ولكن العكس ليس صحيحا. فلم يحدث في ما أعرف أن ارتبطت كاتبة معروفة ولها اسمها الأدبي بشاب وسيم لتقدمه للقارئ. ويبدو أن الكاتب الوسيم ليس بحاجة لذلك، فالطريق الى المراهقين والمراهقات تحديدا لا يحتاج الى تلك التزكية.تابعت خبر مطرب راب فاشل لا يمتلك أدنى موهبة، ويحمل اسما غريبا "زاب ثروت"، وتابعت له فيديو كليب لم أستطع إكماله، والضجة المفتعلة التي حدثت في معرض الكتاب بالقاهرة تدل على ارتباط الجمهور المراهق بالكاتب وليس بكتابته. تتزاحم الفتيات للحصول على فرصة الالتقاء "بالنجم" الذي عرفته مغنيا، وربما لم يتمكن من تحقيق حلمه لفقد موهبة الصوت وسوء اختياره المدرسة الفنية التي توقع أنها سهلة فلجأ إلى الكتابة، وتتدافع الفتيات حتى تسقط إحداهن من الاعياء أو الاحباط لعدم تمكنها من الوصول الى كاتبها.لن أتراجع عن موقفي بأن الكتابة حق للجميع، ولا أتصور أنه من الممكن أن نضع شرطيا يدير مسألة الكتابة وينظمها، لكنني في الوقت نفسه أطلب دراسة سبب هذه الحالات الغريبة التي تؤدي الى تعلق القارئ بوسامة الكاتب وليس بكتابته. فلو حدث ذلك مع مطرب أو نجم سينمائي لوجدنا مبررا يمكننا الاقتناع به، أما أن يحدث ذلك مع كاتب من المفترض أن العلاقة بينه وبين قارئه تقتصر على كتابه لا على شخصه فالمسألة تستحق البحث. فهل تستمر هذه العلاقة حين يصبح الكاتب أكثر نضجا وأقل وسامة؟ أم على الكاتب أن يتوقف في سن معينة لأن الهدف من الكتابة انتفى بغياب جمهوره المتساقط تحت قدميه؟ هل للمنهج التعليمي دور في ذلك؟ ماذا يقرأ الطالب العربي في منهجه الأدبي ولنقارنه بطالب في دولة متقدمة؟ القضية فعلا تحتاج دراسة نفسية واجتماعية.