أعلنت السلطات الأمنية السعودية هوية الانتحاري الذي فجر نفسه خارج مسجد الإمام الحسين بحي العنود بالدمام والذي تنكر في زي نسائي، وظهر أنه في العشرين من عمره، كما ظهر أن معظم المطلوبين في قائمة الـ(١٦) الجديدة، هم من صغار السن الذين يسعون إلى تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة بمسلمين أبرياء تعجلاً إلى الجنة وشوقاً إلى حورها!
ظاهرة تجنيد الصغار في العمليات الإرهابية ظاهرة معروفة وممارسة لدى كل التنظيمات الإرهابية التي لا ترى في صغر سن الحدث ما يحول دون تجنيده وتدريبه وتربيته على أعمال العنف والعدوان، بل تفجير الذات في الآخرين، بل تستشهد بنصوص وآثار وحوادث في التاريخ الإسلامي، لتبرير شرعنة عملها الإجرامي، هذه التنظيمات الإرهابية لا تعترف بأي موانع أخلاقية أو إنسانية أو دينية تحول دون إقدامها على إزهاق أرواح الآخرين في سبيل أهدافها العدوانية، فهي لا ترى قدسية لمكان مثل المسجد، وبيوت الله تعالى، ولا تعترف بعصمة نفس مصل في مسجد، كما لا تأبه بحرمة لشهر كرمضان أو يوم كيوم الجمعة، وفي هذا السياق أيضاً لا تؤمن بحاجز صغر السن، مانعاً من تجنيد الصغار في مخططاتها الإجرامية.تجنيد الأطفال أو الصغار في الأعمال العدوانية، لا يقتصر على "داعش"، بل هو أسلوب ممارس لدى كل التنظيمات المتطرفة، فقبل عدة سنوات، كانت حركة "شباب المجاهدين"- وهي ميليشيات متطرفة بسطت نفوذها على مساحات واسعة في جنوبي الصومال بقطع رؤوس المخالفين ورجم الزناة- تقيم مسابقات في حفظ القرآن للصغار، هل تعلمون ماذا كانت الجوائز التي توزع على الفائزين؟! (الكلاشينكوف) هو الجائزة التي توزع على الفائزين في المسابقة بهدف تربية الصغار على العنف والعدوان، بل وصل عنف هذه الحركة حد أنها كانت تمنع الطلاب من المدارس وتجندهم لصفوفها، تعدهم بالجنة في الآخرة، والمال (٣٠٠) دولار في الدنيا!ولماذا نذهب بعيداً! باكستان الدولة التي انفصلت عن الهند لتقيم الشريعة الإسلامية، وتحكم بالإسلام، وتضع دستوراً إسلامياً، وتنشر المدارس الإسلامية التي تعلم القرآن والسنّة والفقة وفق مناهج دينية، ماذا كانت النتيجة؟! ابتليت بخريجي هذه المدارس الذين يحملون السلاح ضدها بحجة أنها لا تطبق الشريعة وتمالئ الكفار، ولعلنا نذكر مأساة طلاب "الجامع الأحمر" الذين جندوا أنفسهم للجهاد ضد قوات الكوماندوز الباكستانية فسقطوا صرعى، بعد أن قبض على إمامهم الذي فر في زي امرأة منقبة "مولانا عبدالعزيز"، هذه الأحداث التي وقعت قبل ٧ سنوات، لكن المشهد الأكثر غرابة ودهشة، مشهد الأمهات الباكستانيات اللاتي احتشدن وقد اصطحبن أطفالهن معهن وقد عصبن جباههم ورؤوسهم بعصابات كتب عليها شهادة "لا إله إلا الله"، وهن يصرخن متعهدات بأن ينشئن أطفالهن على الجهاد والثأر من قوات الدولة!التساؤل الأساس هنا: لماذا ينجح "داعش" والتنظيمات المتطرفة في استهواء "الصغار" وتجنيدهم تحت شعارات "الجهاد" و"الاستشهاد" والفوز بحور الجنة؟!إنه "التعليم الديني" المخترق من هذه الجماعات المتطرفة التي نجحت في اختراق حصون التربية والتعليم والمؤسسات الدينية ومنابرها، كما نجحت في تجنيد هؤلاء الصغار لمشاريعها العدمية، وهذا النجاح دليل واضح على وهن دفاعاتنا الفكرية والتربوية والدينية وضعف تحصيننا الثقافي، وهذا يستوجب منا سرعة مراجعة المنظومة الثقافية الحاكمة لمفاصل مجتمعاتنا. إن أصل الإرهاب فهم ضال منحرف للجهاد، وهذا هو أصل البلاء، وكل تبرير آخر للإرهاب هو من قبيل المسكنات التي لن تجدي في العلاج، والعلاج الحقيقي للمرض الإرهابي لا يتم إلا بمراجعة توصيف الجهاد في المناهج، بما يتفق وطبيعة العلاقات الدولية ومعطيات العصر، لندرس أولادنا أن جهادهم الحقيقي هو تملك سلاح العلم والمعرفة لخدمة دينهم ووطنهم، وأن الجهاد بالمعنى القتالي العسكري هو من مهمة الجيش النظامي الذي يدافع عن الوطن، وهو شأن من شؤون الدولة، وأن الجيش هو المحتكر الوحيد للجهاد الحربي، دفاعاً عن الدين والوطن، لا الأفراد ولا الميليشيات ولا التنظيمات، فلا يحوز للأفراد ولا للجماعات الدينية أو السياسية إن تُمارس أو تدعو لهذا الجهاد، لأن في ذلك إفساداً وفساداً عظيمين، فضلا عن أنه افتئات على سلطات الدولة. يجب على تعليمنا الديني أن يقطع مفهوم الجهاد معرفيا مع الفهم التراثي الفقهي له، ويجب على مؤسساتنا الدينية والإعلامية ترسيخ أن الجهاد بالمعنى العسكري، ليس من شأن الأفراد أو المفتي أو الخطيب أو الداعية، وإن من يدعو أو يحرض أبناءنا على الجهاد يعرض نفسه للمساءلة، وعلى دولنا عدم التهاون في هذا الأمر، هذا إذا كنّا جادين في حماية أطفالنا من التجنيد الإرهابي.ختاما: لا بد من العمل الجاد في وضع خطة لحماية الصغار وتحصينهم من أمراض التطرّف، وإلا ستستمر الأرض العربية تفرز قوائم إرهابية، قائمة تلو أخرى، كلما صفينا قائمة خرجت علينا أخرى أشد وأنكى!* كاتب قطري
مقالات
تجنيد الصغار
08-06-2015