تحتفل الكويت ونحتفل معها بعيد تحريرها الـ24 من الغزو الصدامي، هذا الاحتفال لا يوازيه ولا يشبهه أي احتفال آخر بالنسبة لنا ككويتيين، وخصوصاً جيلنا الذي عايش الغزو وعرف مرارته ومعنى فقدان الوطن.

Ad

احتفالنا هذا العام يأتي في واقع متأزم ومضطرب، فكل الأوضاع حولنا لا تبشر بالخير وتنذر بالشرر، سواء على الصعيد الاقتصادي الذي هوى بأسعار البترول بسرعة غير مفهومة وغير متوقعة، أو على صعيد الحروب التي تدور رحاها في البلاد العربية المجاورة، التي أنهكتها المؤامرات من كل حدب وصوب، وانفرط عقد تلاحمها وتكوينها بموجات الإرهاب الذي انفلت من عقاله وبات يأكل الأخضر واليابس من الوطن العربي، وبات بالفعل يشكل خطراً يحوطنا، ويجب أن نستعد له قبل أن يداهمنا مثلما حدث في الغزو العراقي للكويت من قبل 24 سنة.

 وتأتي احتفالات هذا العام وسط موجة الإرهاب العالمي وتأجج اضطرابات خطيرة تحيط بالخليج وبالأمة العربية كلها، لكننا سنحتفل في كويتنا العزيزة التي عادت لنا وعدنا لأحضانها وعرفنا قيمة الوطن، ومعنى أن يكون الإنسان بلا وطن وبلا هوية، الأمر الذي أدرك قيمته جيلنا وشعر بقدسيته وأهميته، على عكس الأجيال التي جاءت من بعد التحرير خلال الـ24، التي ولدت جيلين وأكثر لم يعانوا ولم يشعروا بما أدركناه وعرفناه ما معنى فقد الوطن.

 هؤلاء يعيشون في رفاهية استهلاكية من دون ذرة معاناة أو وعي أو مسؤولية برغم كل الأوضاع المضطربة وخطورة ما يحيط بمستقبلهم، ندعو الله أن يحفظهم ويحفظ كويتنا الغالية من كل شر، وأن نحتفل بها ومعها دائماً بفرح وخير وأمان.

وهذه صورة يوم التحرير التي كتبتها في كتابي «حارسة المقبرة الوحيدة»، حيث كنت في ذاك الوقت في منزلي مع أولادي، وأغلب البيوت حولي غادرها أصحابها، واحتل بعضها الجنود العراقيون، ومقر قيادتهم في منطقتنا المحاصرة بهم.

أخرج وأولادي/ إلى شارعنا لأول مرة منذ شهور/ المدرسة توقفت ورشتها/ السيارات الهاربة تعتلي بعضها/ إنهم يطئون أضعفهم/ إلى أين؟!

حين يفر المرء من بنيه/ أحذية متساقطة/ ملابس مسروقة لم تصل إلى من وعدوا بها/ رز مطبوخ في كيس نايلون/ علب ماكياج/ أشرطة أفلام فديو منزوعة من بكراتها/ خوذات/ حقن مورفين/ دفاتر ضبط حضور وانصراف/ لاحظت في الأوراق الأخيرة منها/ كثر ترديد تغيب ولم يحضر/ أيضا كثرت العقوبات. ما أحزن قلبي/ حزمة رضاعات حليب مربوطة برسالة كانت زوجة تُحرص زوجها أن لا ينسى.. رضاعات المولود/ الرضاعات لم تصل/ هل وصل أبو المولود؟!

نفض الشوارع/ نتحسس نبض المألوف/ نتعارف على أضواء البطاريات/ نتعانق/ حقا نحنُ صامدون/ ألفنا الحرائق/ صاحبنا المطر الأسود/ موسيقانا صوت الألغام/ أضواؤنا الصواعق/ مما نخاف؟/

نرقص/ كلنا.. نحنُ الصامدين والمحررين... لهب الحرائق/ والسخام.

نعيش زمن الاختلال/ نتذوق وحدنا/ وحدنا فقط/ وطن بلا حكومة/ لقد شهدنا عليه/ حملنا الأمانة/ هل كنا جاهلين؟/ الإذاعة تُدير أمورنا/ أبتعد... محظور/ كل ما تراه لغم/ الأسلاك ليست بريئة/ الماء سيصل/ هل صحيح يستدل الطريق؟/ المذيعة تقسم... أنها أيضا تنتظر... مثلنا تنتظر/ هل الكروت تنتظم في الطوابير؟ / يقال بعضها تستبدل مواقعها. في الهلتون يخادعهم الماء/ أصدقاء لي يحسبونه يختبئ لدي/ الاستحمام رغبة محمومة.

يقف الناس طوابير في الوقت/ ليدفق الماء ثواني/ قدور/ سطول/ تترجى/ يُبكيني المشهد/ طوابير الطعام/ وساعات الانتظار/ لدجاجة مكتفة بالثلج/ وعدد من التفاحات. مدفع الإفطار/ تتقارب دقاته. شيخ مسن يبكي/ ثلاث تفاحات بدلا من خمس. كان الوتر مشدودا / أن يرتخي حلا.. أو ينقطع.

الأصدقاء يعودون/ يأتون محملين... بالأغذية، البطاريات، والشكولاته. يعود سرب من الأسرى/ مشيا... عابرين الصحراء/ ملتحفين البطاطين، القمل، والقروح/ مذهولين... فرحين.. مثل ما كنا.

كل شيء يعود لمساره /الشمس لأشعتها/ الليل لسواده/ القمر تزداد فضته/ الماء يعرف مجراه/ الربيع يعود لفصله/ يرفرف العلم/ يعود أولادي لمدارسهم/ يعود إلى اسمي/ هويتي. يعود سرب آخر من الأسرى/ أحد اخوتي/ سعود/ مشعل/ محمد/ ناصر/ يبقى أخي وآخرون/ وأنت/ متى ستعود؟