في نظام المناقصات التقليدي تعطي الدولة أموالاً للشركة الفائزة، لتنفذ المشروع المعني، ثم تتسلمه الدولة وتشغله لمصلحتها، وهنا تحصل على عائد اقتصادي ضئيل، بخلاف نظام الشراكة BOT أو PPP.

Ad

شغلت توصية وزارة الأشغال العامة المحالة الى لجنة المناقصات المركزية بإلغاء مناقصة مبنى الركاب 2 في مطار الكويت الدولي الأوساط السياسية والاقتصادية خلال الأسبوع الحالي، خصوصاً أنها الأولى من نوعها لمشروع ضخم بهذا الحجم.

وعللت التوصية اقتراحها السحب بسبب ارتفاع كلفة اقل الاسعار عن السعر التقديري بـ 39 في المئة، فضلا مخالفات العطاء للمواصفات الفنية المطلوبة في المناقصة، مما يفتح املا في تغير سلوك الجهات الحكومية تجاه الهدر المالي في المشاريع، إضافة إلى ضعف جودة الانشاء والبناء والتجهيز الذي عانته مشاريع عديدة للدولة نتيجة ضعف الرقابة والمتابعة.

ورغم ان توصية السحب يمكن وصفها بأنها جيدة جدا، إلا انها تحتاج الى ما هو اكبر من مجرد إلغاء وإعادة الطرح ليصبح مشروع مبنى الركاب وغيره من المشاريع الكبرى الحيوية مدخلاً لخدمة الاقتصاد لا مجرد مشروع للبنية التحتية، وهنا نتحدث عن تطوير عقلية طرح المشاريع لتتحول الى B.O.T او بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP، ليكون للدولة عائد مالي بدلا من الانفاق على مشروع تتسلمه لاحقا.

ففي نظام المناقصات التقليدي تعطي الدولة اموالا للشركة الفائزة لتنفذ المشروع المعني ثم تستلمه الدولة وتشغله لصالحها، وهنا تحصل الدولة على عائد اقتصادي ضئيل يتعلق فقط بالبنية التحتية مقابل انفاقها على العمالة والصيانة، اما في نظام الشراكة ppp او B.O.T فهنا تكون كلفة التنفيذ من مسؤولية المستثمر، وعندئذ يتحقق للدولة عائد مالي سنوي من خلال الملكية المباشرة او الحصة من عقد الانتفاع، فضلا عن تشغيل العمالة الوطنية في هذه المشاريع.

فلسفة المشاريع

وفي وقت تراجعت اسعار النفط العالمية يجب ان تعيد الكويت، اكثر دول العالم اعتمادا على الايرادات النفطية بما يناهز 93 في المئة، النظر في فلسفة مشاريعها، فلم نعد اليوم بحاجة الى مبان حديثة او جسور وابراج جديدة بقدر حاجتنا لأن تكون المشاريع مفيدة للاقتصاد، بحيث تساهم في حل اختلالاته العميقة وهذا يتأتى من خلال:

- قدرة المشاريع على تحقيق نمو في العائدات غير النفطية للميزانية من اجمالي الايرادات، لأن الاعتماد العالي على النفط هو احد ابرز المخاطر التي تواجه الاقتصاد المحلي، وهذا يتحقق من خلال ايرادات عقود الانتفاع او الضريبة او العائد من ملكية الدولة في المشروع.

- توفير المشاريع التي تطرحها الدولة لفرص عمل حقيقية خارج اطار القطاع الحكومي، اي القطاع الخاص الذي يستقطب حاليا اقل من 10 في المئة من قوة العمل الكويتية التي تتركز اصلا بين القطاعين العام والنفطي، بما يكلف الدولة 10.5 مليارات دينار سنويا.

وهنا يجب ان نغير نظرتنا إلى العائد من المشاريع خصوصا ان مشروعي PPP و B.O.T مشروعان حكوميان اجتهدت الحكومة في تسويقهما واقرارهما باعتبارهما احد الحلول لتنشيط الاقتصاد وتنويعه، الا ان السوابق تشير الى ان معظم المشاريع، وخصوصا B.O.T كانت لمجمعات ومولات واسواق، في حين ان هذا النوع من المشاريع يتيح فرصا لإنشاء المطارات والموانئ ومحطات المترو وحتى المدن السكنية والتجارية، فالكويت وإن كانت دولة غنية من حيث الايرادات، الا ان اقتصادها فقير جدا من حيث التنوع، ومركز بدرجة عالية المخاطر على مصدر وحيد للدخل.

الاتجاه العكسي

وبدلاً من السير في الطريق الصحيح نجد المطالبات تتعالى في اتجاه عكسي تتمثل في احالة المشاريع المتأخرة الى الديوان الاميري، وهذا ليس فقط اقرار بفشل عمل الجهاز للدولة بل ايضا عدم رغبة في معالجته، فضلاً عن ان تحويل المشاريع الى جهة غير مختصة ربما تنتج عنه اختلالات مالية وادارية وفنية تنعكس سلبا على العديد من الجهات، لذلك لابد ان يكون الفكر في التعامل مع المشاريع اكثر ارتباطا بحلول مشاكل الاقتصاد، وليس لخلق اعباء اضافية عليه.

ومادامت الدولة لها دور في الرقابة على ما تطرحه من مشاريع شراكة مع القطاع الخاص بما يكفل جودة الخدمة والمنافسة ويحقق اهداف الاقتصاد فبإمكانها ان تحقق نموذج نجاح للخصخصة او في الشراكة مع القطاع الخاص في هذه المشاريع، وتعطي مجالا لخصخصة قطاعات اوسع بعد ان تطمئن الافراد الى نجاح تجربتها، لذلك لا يمكن القيام بأي خصخصة دون ان تكون الدولة لاعبا لدور المنظم للسوق الذي يشرف على المنافسة ويمنع الاحتكار، وهنا بالطبع لا بد من الحديث عن الهيئات الناظمة التي تؤسسها الدولة لتنظيم السوق والاشراف عليه.

ما نحتاجه في الكويت هو خلق حقيقي للفرص واستقطاب الاموال والادارة المحترفة من خلال شركات عالمية يمكن ان تدخل عبر نظم الشراكة، ولا يمكن ان تجد موطئ قدم من خلال المناقصات، وهو امر يحتاج الى تطوير في عقلية الدولة التي تدير الاقتصاد لتدعيم فرص النمو وتحقيق فائدة اكبر، لأن معالجة أهم الاختلالات في هيكل الدخل مقابل الميزانية وفرص العمل الحكومية مقابل الخاص تعد من الأولويات الضرورية لإصلاح الاقتصاد وتنويعه.