الفيفا أيقظ مارداً أميركياً
بخلاف الدول الأوروبية لم تطالب الولايات المتحدة رسمياً بإعادة التصويت، لكنها وجهت تهماً إلى مسؤولين في الفيفا من نصف الكرة الأرضية الغربي عقدوا، حسبما يُفترض، صفقات في الولايات المتحدة واستخدموا مصارف أميركية.
قد لا تكون الولايات المتحدة أكثر الأمم حباً لكرة القدم، ورغم ذلك تبدو أجهزة تطبيق القانون الأميركية فجأة في طليعة الهجوم على الهيئة الحاكمة العالمية لكرة القدم، فقد وجهت إلى تسعة من مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفيا) الحاليين والسابقين تهماً لمشاركتهم المفترضة في خطة فساد مستمرة منذ نحو 24 سنة.ما سبب ذلك؟ ربما ساهمت التجربة التي خاضها الأميركيون مع الفيفا قبل أربع سنوات ونصف السنة في فتح أعينهم على هذه المشكلة، ففي الثاني من ديسمبر عام 2010، صوتت اللجنة التنفيذية في الاتحاد الدولي لكرة القدم على إقامة كأس العام في روسيا عام 2018 وفي قطر عام 2022، وكان منافسا هذين البلدين المملكة المتحدة والولايات المتحدة على التوالي.
تأثر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كثيراً بسبب هزيمة بلده الصادمة، فقد أعلن أن "أمله خاب"، وأشار إلى أن عرض إنكلترا قد تلقى التقييم التقني الأفضل من الفيفا، لكن كاميرون تابع غاضباً: "تبين أن هذا لم يكن كافياً". في المقابل، اكتفى الرئيس الأميركي باراك أوباما بوصف قرار الفيفيا بـ"الخاطئ" (تذكر بعض التقارير أن الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي قدّم عرض الولايات المتحدة في زيوريخ، رمى قطعة معروضة على مرآة تزين أحد الجدران فكسرها).من الممكن تبرير عواطف كاميرون وتحفظ أوباما بسهولة من خلال شعبية كرة القدم في كلا البلدين، ففي الولايات المتحدة، شاهد المباراة النهائية لكأس العالم لعام 2014 نحو 27 مليون شخص فقط، مقارنة بأكثر من 20 مليوناً في المملكة المتحدة، علماً أن عدد سكان هذه الأخيرة يوازي خمس سكان الولايات المتحدة، لذلك بدا من الطبيعي أن تواصل وسائل الإعلام البريطانية الضغط على الفيفا في السنوات التي تلت هذا التصويت، وقد حصلت صحيفة "صندي تايمز" على صيد ثمين من الوثائق التي تشير إلى عملية رشوة كبيرة داخل الهيئة الحاكمة لكرة القدم.لكن كل هذا لم يؤثر في سب بلاتر، الذي قطع اليوم شوطاً كبيراً من ولايته الرابع المتتالية، التي تدوم أربع سنوات، كرئيس للفيفا. في عام 2012 استخدم الفيفا المحامي الأميركي السابق مايكل غراسيا للتحقق من تهم الفساد، وبعد سنتين قدم غراسيا تقريراً من 350 صفحة، لكن الفيفا لم ينشره بالكامل، معلناً أنه لا يحتوي على ما يرغمه على إعادة التصويت بشأن روسيا أو قطر، كذلك أعلن بلاتر قراره الترشح لولاية خامسة.ولكن قبل أيام، انفجرت قنبلة أميركية الصنع: اعتقلت الشرطة السويسرية ستة من العاملين في الفيفا في فندق بور أو لاك الفاخر في زيورخ، حيث نزلوا قبل التصويت، وأوقفت بعد ذلك شخصاً سابعاً، وينتظر هؤلاء السبعة راهناً الترحيل إلى الولايات المتحدة. تبين أنه فيما راح معجبو المملكة المتحدة وسياسيوها وصحافيوها يلعنون الفيفا (بعد إسقاط مقاتلين موالين لروسيا طائرة ركاب فوق شرق أوكرانيا، دعا نائب رئيس الوزراء نيك كليغ آنذاك إلى تجريد روسيا من حقها باستضافة كأس العالم لعام 2018)، عمل مكتب التحقيقات الفدرالي والسلطات الضريبية في الولايات المتحدة بصمت على كشف شبكة الفساد في الفيفا.أعلن المكتب الفدرالي للعدل في سويسرا أن التحقيق بدأ عام 2011، بعيد إخفاق العرض الأميركي، فيبدو أن هذا الإخفاق نبّه المسؤولين الأميركيين لتصرفات مريبة في الفيفا، فقد تمتع العرض الأميركي بمزايا واضحة، مقارنة بالعرض القطري، فبينما لا تملك هذه الدولة الصغيرة في الخليج العربي بنية تحتية تذكر في مجال كرة القدم (عليها أن تبني تسعة من الملاعب الاثني عشر الضرورية)، قدّمت الولايات المتحدة 18 ملعباً مبنية وعاملة، كذلك شمل عرضها ضعف عدد غرف الفنادق، مقارنة بالعرض القطري، فضلاً عن أن المناخ الأميركي يسمح بإقامة هذه البطولة العالمية في الصيف، كما هو معتاد، لا في شهر نوفمبر، كما تفرض الأحوال المناخية في قطر.بخلاف الدول الأوروبية، لم تطالب الولايات المتحدة رسمياً بإعادة التصويت، لكنها وجهت تهماً إلى مسؤولين في الفيفا من نصف الكرة الأرضية الغربي عقدوا، حسبما يُفترض، صفقات في الولايات المتحدة واستخدموا مصارف أميركية. إذاً، بدل التشكي والتنديد، دخلت شاهرة المسدسات، إذا جاز التعبير، حين كان بلاتر على وشك الفوز بولاية خامسة كرئيس للفيفا.أعلن المتحدث باسم الفيفا والتر دي غريغوريو أخيراً أن بلاتر كان "مرتاحاً" لأن الفيفا نفسه بدأ تحقيقاً سويسرياً في هذه المسائل كان يسير بموازاة التحقيق الأميركي، لكن هذه لا تُعتبر مشكلة بلاتر الكبرى، فعندما تتحدث المدعية العامة الأميركية لوريتا لينش عن فساد "متفشٍّ، منظم، ومتأصل" في الفيفا، وعندما تحذر وزارة العدل الأميركية من أن توجيه التهم هذا "لا يشكل الفصل الأخير"، يعني ذلك أن أجهزة تطبيق القانون الأميركية تسعى إلى تفكيك البنية القائمة التي أتقن بلاتر التلاعب بها منذ انضمامه إلى الفيفا عام 1975، وسنشهد في المستقبل القريب المزيد من الفضائح وعمليات الاعتقال، التي لن يتمكن بلاتر من إخفائها أو تجاهلها.أعلن أوباما في رسالته المصورة إلى اللجنة التنفيذية في الفيفا في شهر ديسمبر عام 2010: "نهوى هذه اللعبة"، قد لا تكون الولايات المتحدة مستعدة للعب في بطولة العالم لكرة القدم، ولكن إن خسرت فإنها تريد أن تخسر بإنصاف. وعلى بلاتر اليوم أن يقر أنه هو والنظام الذي بناه قد أخفقا، صحيح أنه ما زال يتمتع بدعم معظم أعضاء الفيفا المئتين والتسعة، إلا أن أيامه على رأس هذا الاتحاد باتت معدودة.* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky