لم يكن أحد يتوقع أن تكون نهاية تنظيم حسن البنا (الإخوان المسلمون) بهذا الشكل من الفشل، بعد أكثر من 80 عاماً من العمل المتنوع بين السرية والعلنية، والتحالفات المصلحية مع أنظمة عدة في المنطقة وقوى كبرى (بريطانيا - الولايات المتحدة)، لضرب النهضة القومية المدنية العربية التي كانت نتيجتها تخليق "المخلوق المسخ" المسمى بالجهادية الإسلامية التكفيرية التي تعتبر "القطبية الإخوانية" أمه الطبيعية، والسلفية الجهادية مربيته الشرعية، والذي يُدمر حالياً أجزاءً من العالم العربي، ويهدد بقيته من أقصاه إلى أقصاه.

Ad

كنا نتوقع أن يكون الإخوان المسلمون أكثر ذكاء في تعاملهم مع "الربيع العربي" خاصة في مصر، لكنهم تعاملوا مع الحدث ببلاهة، وقفزوا على السلطة بكل قوة، فنزلوا في الانتخابات النيابية إلى الشوارع بالمواد التموينية، وعبر دور العبادة ليسيطروا على الناخبين، ويهيمنوا على البرلمان المصري.

وبعد ذلك نكثوا بعهدهم وترشحوا لرئاسة الجمهورية، ثم شرعوا في تغيير شكل الدولة المدنية المصرية القائمة منذ قرنين تقريباً من الزمن، في تحدٍّ للمؤسسة العسكرية القوية وثقافة الأغلبية المصرية المنفتحة والأقباط، بل لم يكتفوا بذلك، فأوعزوا إلى تنظيماتهم في دول مجلس التعاون، خاصة الذراع الأساسية في الكويت، بأن الوقت قد حان ليقفزوا على السلطة، فكانت تحركاتهم المعروفة التي دمرت المعارضة الكويتية المتزنة عبر تأجيج القبلية والطائفية، ما أدى إلى استنفار أنظمة الخليج ضدهم، كما أن تجربتيهما في تونس والمغرب غير مشجعتين.

وكان كذلك تصدّرهم للمشهد في بداية الثورة السورية سبباً في تدميرها، لأنهم هيأوا فرصة ذهبية لنظام الأسد، ليصبغ تلك الثورة الشعبية بصبغة مذهبية، ويختلق مسألة الإرهاب الديني، ليستنهض عصبيات بقية مكونات المجتمع السوري من علويين وأكراد وشيعة ومسيحيين ودروز ضد الثورة، ولتكوين جبهة الأقليات التي تحارب الشعب السوري الآن بالدعم الخارجي الإيراني - الروسي.

كل تلك الأخطاء القاتلة من "الإخوان" أعادتهم إلى بداياتهم في نهاية عشرينيات القرن الماضي، إذ إنهم تعرّضوا لضربة قاصمة في مصر أعادتهم إلى مرحلة العمل تحت الأرض، في ما عدا بعض المواقع التي مازالوا يحتفظون فيها بكيانهم ووجودهم، وهي الكويت والأردن وتونس والمغرب والسودان، وربما اليمن وليبيا المدمرين والمفككين.

وأستثني تركيا، لأنني أصنّف أردوغان وجماعته كحركة قومية تستمد قوتها من التراث الإمبراطوري العثماني ذي الصلة بالإسلام، أكثر من أن تكون تجمعاً يتبع جدياً نهج "تنظيم حسن البنا" العقائدي المعلن، ولذلك فإن تنظيم الإخوان سيرجع إلى الخلف عقوداً طويلة، وإلى مراحل سابقة من بداياته، وسيكون التركيز على الكويت في إعادة بناء تنظيم الإخوان الأم الرئيسي في مصر.

ويعود الاهتمام بالكويت لإعادة بناء التنظيم لعدة اعتبارات، أهمها أن السلطة في الكويت تعتبر الإخوان حليفاً تقليدياً مهماً لهم وشريكاً منذ 1976 لا تنوي إقصاءه أو الحد من تحركه.

ومازالت مرافق الدولة المهمة تزخر بقيادات إخوانية، كما أن غالبيتهم متورطون في الصفقات المالية والتجارية، إذ لا يوجد قيادي أو سياسي كويتي من الإخوان من محدودي الدخل أو من دون "بيزنس" وتجارة، إضافة إلى أن أهمية إخوان الكويت تنبع من قدرتهم على توفير الأموال والدعم اللوجستي، فضلاً عن وجود جاليتين كبيرتين، مصرية وسورية في الكويت.

لذا فإن "الإخوان" الكويتيين يستديرون الآن استدارتهم الكبرى نحو السلطة، طالبين العفو والمغفرة عن سوء تقديرهم وأفعالهم، ويتمنون الحوار معها وتقديم خدماتهم لها، ويسعون إلى العودة لتحالفاتهم السابقة مع السلطة - والتي لم تقطع لكنها مجمدة مع بعضهم - بل إنهم سيكونون أول المنضمين إلى قوائم المرشحين في أي انتخابات برلمانية كويتية مقبلة، وسنسمع كالعادة من "إخونجية" الكويت العبارات الفضفاضة والجُمل التي تحمل أكثر من معنى لتضليل جمهورهم، وللتفسخ من صلاتهم مع بقية المعارضة المقاطعة، وسيمارسون مناوراتهم السياسية المتقنة، التي رغم "حرفنتهم" في لعبها مع الأنظمة والشعوب، فإنها لم تسعف إخوانهم "الإخوان"، عندما وضعوا في اختبارات الحكم العملية، ففشلوا فيها فشلاً ذريعاً، وخربوا الربيع العربي وعادوا إلى مكانهم الطبيعي تحت الأرض!