حتى بعد كل هذه الإنجازات التي تحققت بجهد الخيّرين، وتم طيّ صفحة سوء التفاهم، الذي سمم جانباً مهماً من علاقات مجلس التعاون الخليجي الداخلية، وأصبح نجاح قمة الدوحة الخليجية مضموناً، فإن "المتضررين" أفراداً وجماعات ومجموعات لن يتوقفوا عن الاصطياد في ما يعتبرونه مياهاً عكرة، وهؤلاء سيحاولون إنْ قبل هذه القمة وإن بعدها تضخيم بعض الأمور التي لاتزال عالقة، وخصوصاً بالنسبة إلى الصراعات المحتدمة في بعض الدول العربية كـ"ليبيا" وسورية والعراق، وأيضاً لبنان والسودان واليمن "الذي لم يعد سعيداً ولا هُمْ يحزنون".

Ad

إنه غير متوقع، بل وغير ممكن، أن تنتهي أوضاع استثنائية عصفت بالأوضاع الداخلية لمجلس التعاون الخليجي بمجرد "جرة قلم"، فهناك قضايا عدم تفاهم، بل وخلاف، كثيرة فعلاً، ولذلك ومع أنَّ البداية جاءت أكثر من مشجعة، وأنَّ ما جرى يستحق التقدير والإشادة فعلاً، فإنه لا يجوز اختصار المسافات والقفز من فوق بعض القضايا التي لاتزال عالقة.

 فطريق الألف ميل، كما قال زعيم الصين التاريخي الكبير ماوتسي تونغ، تبدأ بخطوة واحدة، وحقيقة أن هذه الخطوة التي حققها الأشقاء الخليجيون على طريق استعادة وحدتهم وتثبيت تماسكهم جاءت أكثر من واعدة، وجاءت في الوقت الملائم تماماً وفي اللحظة التي لم يكن بالإمكان تأخيرها ولو دقيقة واحدة.

لقد ثبت، وخلال أيام بعد اتخاذ الخطوة الأولى، أن القلوب صافية وأن النوايا طيبة، وأنه لا يصح إلا الصحيح، وهذا يعزز الثقة بأن الدائرة الخليجية ستتسع، وأن هذه النواة العربية سوف تترسخ وسوف تكبر وأن لمّ الشمل سيضم، بالإضافة إلى الأردن ومصر والمملكة المغربية، دولاً عربية أخرى لها أهميتها القومية ولها دورها الإقليمي، فالوضع العربي المأساوي، الذي لا يسرُّ الصديق ولا يغيظ العدا، بحاجة إلى أن تكون هذه الخطوة العظيمة رافعة فعلية للمِّ الشمل ومعالجة الجراح، ووضع حدٍّ للضياع والتشرذم بالسرعة الممكنة.

نحن الآن أمام منعطف تاريخي، فإمَّا أن نستفيد من دروس ما حلَّ بأمتنا من ضياع وتشرذم، ومن احتمال تحوّل دولنا إلى دويلات طائفية متناحرة، فنبادر إلى التقاط هذا الإنجاز الذي تحقق والبناء عليه على أساس استبعاد التناقضات وإنهاء التعارضات بقدر الإمكان، وإمَّا أن نستسلم لواقع ما حل بنا منذ بدايات هذا القرن الجديد، بل منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، فنفقد هذا القرن كله وربما القرون الذي ستليه، وإلى يوم القيامة.

والمعروف أنَّ الأمم تندثر وتموت، ولذلك فإن الخوف كل الخوف هو أن تندثر هذه الأمة العظيمة كما اندثرت أمم سابقة تجاوزتها حركة التاريخ.

إن المعروف أن الأشقاء الخليجيين يتميزون بأنهم يحترمون كبارهم، وحقيقة أنَّ الحضور المعنوي المؤثر لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، كان له الدور الرئيسي والأساسي في لمّ الشمل، وأن الدور الذي لعبه الشيخ صباح الأحمد قد عجّل بهذه الخطوة المباركة التي يحتاج تثبيتها وإبعاد أي انتكاسة عنها إلى قطع الطريق على "المتضررين" الذين وفدوا من "الخارج"، واستغلوا ظروفاً طارئة ظنوها أبدية وسرمدية للاصطياد في مياه اعتبروها عكرة، والذين في حقيقة الأمر استطاعوا بتحريضهم المتواصل خلق شروخ بين الأشقاء الذين من المفترض أنه لا يوجد ما يختلفون عليه، والذين من المفترض أن احترام بعضهم بعضاً أقوى كثيراً، مما يؤثر فيه "الدساسون" وخفافيش الظلام!