إذا كان محمد علي قد ألغى تدريجيا نظام الالتزام الذي كان قائما في عصر الفوضى، والذي أذاق المواطنين بوجه عام والفلاحين بوجه خاص الذل والمرارة، حيث كان الملتزم يحصل الضرائب والرسوم أضعافا مضاعفة، ولا يورد للحكومة إلا النزر القليل، فإن نظاما أسوأ من نظام الالتزام هو النظام الذي نشأ في عهد مبارك.

Ad

13 و15 مايو يومان لهما تاريخ

يصادف مساء يوم 13 من 5 عام 1805 المشهد الدرامي الذي حدث عندما ألبس علماء مصر محمد علي باشا الكرك والقفطان، رمزاً لتوليته من الشعب مسند الحكم، بعد خلع خسرو باشا المعين من الباب العالي في الآستانة، ليبدأ عصر النهضة الحديثة في مصر على ركام النظام القديم في عصر الفوضى. ويصادف يوم 15 من مايو عام 2014 بدء التصويت في الكويت وغيرها من عواصم العالم لانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليبدأ عصر نهضة جديدة على ركام عصر الفوضى الذي خلفه نظام مبارك الذي كان الحكم فيه يقوم على تزاوج المال بالسلطة.

ولعل ما دفعني إلى هذا الربط بعض أوجه التشابه، ذلك أن كلا منهما قد تولى سدة حكم مصر بإرادة شعبية بعد عصر من الفوضى، عزل فيه اثنان من الولاة وقتل الثالث في غضون خمس سنوات (1801-1805) قبل تولي محمد علي سدّة الحكم، وعزل في عصر الفوضى بعد ثورة 25 يناير ثلاثة حكام مبارك والمجلس العسكري ومرسي في غضون أربع سنوات           (2011-2014).

النهضة أفعال لا أقوال

وقد استعدت في ذاكرتي وأنا أكتب هذا المقال مشروع النهضة الذي بشرت به جماعة الإخوان عندما أعلن حزب العدالة والحرية "ذراعها السياسي" ترشيح خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة، فقد كان هناك حفل كبير تم فيه الإعلان عن مشروع النهضة الذي سيترشح على أساسه خيرت الشاطر، وعندما تساءل الناس عن مشروع النهضة الذي وعدت به الجماعة، بعد أن نجح على أساسه د. محمد مرسي، بعد استبعاد لجنة الانتخابات الرئاسية لخيرت الشاطر، قيل إنه لم يكتب بعد!

وكان الموقف مختلفا تماما بالنسبة إلى الرئيس السيسي، فهو لم يعلن في سباق انتخابات الرئاسة مشروع قناة السويس الجديدة أو غيرها من مشروعات التنمية التي حفل بها المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ، والذي جذب اهتمام العالم كله بسب النجاح الذي حققه ومؤازرة الدول العربية والإسلامية له، فضلا عن اهتمام أميركا وأوروبا والصين وروسيا والبنك الدولي وصندق النقد الدولي بنتائجه ومشاركتهم فيه بما يبشر بنهضة عظيمة لمصر خلال السنوات القادمة.  فقد أثبت بذلك أنه رجل أفعال لا رجل أقوال، إلا أن ما يثير القلق هو ما أعلنه قبل شهر وزير المالية، د. هاني قدري دميان من أن "فاتورة الإصلاحات الاقتصادية يجب أن يدفعها الشعب المصري"، وهو تصريح استفز الجماهير، فعاد ليقول إنه يقصد أن الأعباء سوف توزع على جميع الشرائح.

وكنا قد أثرنا هذه القضية في مقالنا المنشور على هذه الصفحة تحت عنوان: "بورتو مصر" أرباح طائلة وموارد ضائعة على الدولة، حيث قلت: إن الشعب قد تحمل أعباء مالية كثيرة خلال القرون الماضية من منظومة الفساد التي عشعشت في كل مرافق الدولة، وأنه قد لا يستطيع تحمل المزيد.

الأسوأ من نظام الالتزام

وإذا كان محمد علي قد ألغى تدريجيا نظام الالتزام الذي كان قائما في عصر الفوضى، والذي أذاق المواطنين بوجه عام والفلاحين بوجه خاص الذل والمرارة، حيث كان الملتزم يحصل الضرائب والرسوم أضعافا مضاعفة، ولا يورد للحكومة إلا النزر القليل، فإن نظاما أسوأ من نظام الالتزام، هو النظام الذي نشأ في عهد مبارك، والذي منح شركات كثيرة مساحات كبيرة من أراضي الدولة أصبحت هذه الشركات بمقتضاه تمارس سيادة الدولة على المنتجعات السياحية والمجمعات السكنية التي أقامتها على هذه الأراضي التي أصبحت أشبه بنظام زمامات الالتزام في عصر الفوضى قبل محمد علي، لتحصل لحسابها وحدها، على الإتاوات والرسوم الباهظة التي تفرضها على من باعتهم هذه الوحدات، دون أن تؤدي للدولة شيئا، بل على العكس من ذلك فهي تضيع على الدولة مصادر للدخل يمكن أن تكون بديلا عن مزيد من الأعباء المالية التي قد لا يستطيع الشعب تحملها، في فاتورة الإصلاح الاقتصادي.

عقود إذعان شركة بورتو

ومن واقع عقود الإذعان التي تبرمها شركات إمبراطورية بورتو في مصر ما ينص عليه البند السابع عشر من هذه العقود من أن: مصاريف رسوم تسجيل هذا العقد على عاتق الطرف الثاني (المشتري)، وهو التزام لا اعتراض لنا عليه، إلا أن لهذا النص دلالتين: دلالة تستفاد أصلا من النص، وهي التزام المشتري بمصاريف التسجيل، ودلالة تستفاد تبعا لذلك وهي التزام الشركة البائعة بالحضور إلى الشهر العقاري لتوقيع عقد البيع النهائي أمامه، حيث لا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل.

رسوم التسجيل تضيع على الدولة

ولعل أول ما يصادف مالك الوحدة السكنية أو السياحية أنه لا يستطيع تسجيل وحدته بالرغم من أنه سدد كامل ثمن الوحدة بالكامل، والملكية وفقا لأحكام القانون لا تنتقل إلا بالتسجيل، لأن الشركة البائعة لم تسجل الأرض أصلا باسمها في سجلات الشهر العقاري تهربا من دفع رسوم التسجيل التي كانت الشركة سوف تؤديها للدولة.

وأنه لا مصلحة للشركة في نقل ملكية الأرض باسمها، ليتمكن المشترون من نقل ملكية وحداتهم إلى ملكيتهم، ليظلوا تحت رحمتها (تبيع وتشتري بهم) وتفرض عليهم من الإتاوات والرسوم ما تشاء، دون وازع من قانون أو ضمير، في حماية شركات الأمن والحراسة التي عينتها لهذا الغرض أيضا. ومن هذه الإتاوات ما ينص عليه البند الثالث عشر من عقود الإذعان التي أبرمتها مع المشترين من أنه لا يجوز للمشتري التنازل عن الوحدة للغير إلا بعد سداد 10% من ثمن الوحدة عند التنازل، وقد تحصل الشركة هذا الرسم عدة مرات عند تداول الملكية أكثر من مرة، بما يهدر حرية التعاقد التي هي جزء من الحرية الشخصية التي صانها الدستور، وحرية تداول ملكية هذه الوحدات التي يحميها الدستور، باعتبار أن التصرف في العقار، هو أحد الحقوق المتفرعة من حق الملكية الذي صانه الدستور، وتضيع بذلك على الدولة رسوم الشهر العقاري مرة أخرى. وجدير بالذكر ما ينطوي عليه تسجيل التنازل في دفاتر الشركة من تهرب من ضريبة التصرفات العقارية، وهي جريمة يعاقب عليها القانون، وتعتبر الشركة شريكاً فيها.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.