التعليم وأولويات التطوير... بين المبنى والمعنى!
من نافلة القول التذكير بأن التعليم في الخليج هو أساس وعصب التنمية في الإنسان، غير أن حداثة التعليم وجدّته جعلا من نموه بطيئاً بعض الشيء مع بعض الاستثناءات. لا يمكننا مقارنة التعليم الخاص بالتعليم الحكومي... هناك مسافات هائلة، بدليل أنه ومع بداية العام الدراسي شاهدنا هجوماً كاسحاً من فاعلين اجتماعيين على الشبكات وبرامج التواصل الاجتماعي ضد كثير من منتجات التعليم العام مستخدمين جميع أنواع الأدوات الإعلامية من صور وفيديوهات وتغريدات، مستهدفين المباني المدرسية والمناهج، وحتى القرارات التعليمية الأخيرة، وبعضهم انطلق نحو النقد الجذري والقاسي انطلاقاً من أن تنظيم "داعش" لا يزال يجد مناخاته في بعض المعلمين، وبعض المفاهيم داخل مناهج التعليم في بعض دول الخليج.نحن نعيش في عالم منفتح أكثر من ذي قبل، وأصبحت الرقابة لجميع الخدمات الحكومية جزءاً من حياتنا اليومية ومن وعي الآباء والأمهات وأولياء الأمور، صرنا نتابعها من خلال التكنولوجيا وأدوات التواصل الاجتماعي المختلفة، ولكن هذه الرقابة بالرغم من أهميتها وفائدتها، تحتاج إلى المزيد من المهنية والتفاعل من جهات متخصصة وبالتأكيد تحتاج إلى دعم ورعاية دائمة من وزارات التربية والتعليم ومسؤوليها في المنطقة، وهذا يصح على دول العالم الإسلامي جميعاً ودول الخليج خصوصاً.
لا أحد ينكر أن مهمة وزراء التربية والتعليم في الخليج شاقة جداً، وتحديداً إزاء تطوير التعليم من جهتين، جهة المبنى، وجهة المعنى، إنها مسؤولية شاقة في التعليم، والتحدي الذي يواجه هؤلاء الوزراء ليس فردياً، وهذا ما يجب على المسؤولين استيعابه، وإلا فكيف نفسر خروج معلمين وطلاب وأساتذة جامعة، بل ودكاترة إلى مناطق القتال والنزاع في أنحاء العالم، ألا تستحق هذه الإشارات ضرورة تطوير المعنى التربوي كما نطور المبنى؟! أعتقد في البداية أن على المسؤولين تقييم الوضع الحالي للعملية التعليمية بكل مكوناتها: الطالب، والمنهج، والمدرسة، والمعلم، وعند اتضاح الرؤية وتوافر المعلومات الحقيقية والصحيحة والدقيقة عن الوضع الحالي للتعليم في الخليج، عندها فقط يمكننا أن نقوم بالإصلاح والتطوير المنتظر والمتوقع للتعليم وحل معظم المشاكل الحالية والحصول على ما يتطلع إليه الإنسان الخليجي الذي يعيش طفرة اقتصادية، لكن من دون طفرات تعليمية تليق بالمستوى المدني الذي يتمتع به على شتى المستويات.يجب أن نتفق على أن إصلاح العملية التعليمية هو جهد مشترك، وفي نفس الوقت يجب على الجهات القيام بمهامها المنوطة بها بشكل مهني وعلمي، ومازلنا بكل تأكيد ننتظر من مؤسسات تقويم التعليم الموجودة ببعض دول الخليج أن تخلص في القيام بمهامها المنوطة بها وبدء عملها في تقويم التعليم جذرياً. هناك صعوبات في مجالات التعليم، وحين أتحدث عن بلدي السعودية فإنني آمل أن نقرأ النقد الذي دبّجه د. أحمد العيسى في مشروعه العلمي الذي طُبِع في مجلدين عن التعليم العام والتعليم العالي بالسعودية.إذا تحدثنا عن تحديث التعليم مبنىً ومعنىً، فإن الغاية إيجاد بيئات ليست موبوءة بالفكر المتطرف والمتشدد المعارض لثقافة الحياة والمحرض على ثقافة الموت. هناك ولاة أمور مصدومون من الأخبار التي تتحدث عن وجود أساتذة ودكاترة انضموا إلى القتال في صفوف "داعش"، هذا يعني أن ثمة ثغرات كبرى تتجاوز مجرد الثغرة الشكلية أو ثغرة المبنى لتنخر في المعنى، والمضمون، والمفهوم، ولعمري إن هذا لهو أخطر الأخطار!