الأفضل أن تصبح إسرائيل، رسمياً، إحدى الولايات الأميركية المتحدة، مادامت واشنطن دأبت على التعامل معها ومع العرب والفلسطينيين والعالم على هذا الأساس... فهذا هو الصحيح ولا ضرورة إطلاقاً إلى كل هذه الألاعيب وكل هذه المناورات، إذْ ثبت منذ عام 1948 حتى هذه اللحظة، أنه لا فرق بين أميركا والدولة الإسرائيلية، وهذا ينطبق على الإدارات كلها، ولا يقتصر على هذه الإدارة التي راهنّا في هذه المنطقة، لا على انحيازها إلى جانب الحق الفلسطيني، بل على اتخاذ موقف الحياد بقدر المستطاع على الأقل.

Ad

لم تكتف هذه الإدارة الأميركية بإنكار حق انضمام الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية، رغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترفت بدولة فلسطينية تحت الاحتلال على حدود الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بل إنها، أي إدارة الرئيس باراك أوباما، ذهبت إلى أبعد من هذا كثيراً عندما وصفت إسرائيل بأنها ضحية للإرهاب وأنها كانت تدافع عن شعبها عندما تصدت للصواريخ الفلسطينية التي كانت تطلق من غزة.

ليس بعد الكفر ذنب، وحقيقةً، فإنه لا يوجد نفاق ورياء وكذب أكثر من هذا النفاق والرياء والكذب، وحقيقةً، فإنه إذا تم تطبيق الحالة الفلسطينية بالمفاهيم الأميركية هذه على "حرب الاستقلال"، استقلال أميركا عن بريطانيا، فإنه يجب اعتبار أن جورج واشنطن أكبر إرهابي في التاريخ، ويجب اعتبار أن البريطانيين الذين عبروا بحور الظلمات لاستعمار وطن الهنود الحمر هم ضحايا الإرهاب، وهكذا... وبالتالي يجب اعتبار أنه حتى هذه الـ"أميركا" دولة إرهابية!

ألا تعرف الإدارة الأميركية أن إسرائيل دولة محتلة وأنها قامت على الاحتلال وأنها احتلت في يونيو عام 1967 قطاع غزة والضفة الغربية كلها، واحتلت أيضاً هضبة الجولان وجبل الشيخ وسيناء حتى قناة السويس، وأنها ارتكبت من الفظائع ضد الفلسطينيين ما لم يرتكبه النازيون ضد الشعوب التي احتلوا بلدانها… ألا يذكر الناطقون باسم باراك أوباما عمليات تكسير أيدي الأطفال الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى وهرس أذرعهم ورؤوسهم بالحجارة.

ألمْ يغْتل جهاز الموساد الإسرائيلي، وفي وقت مبكر جداً، ذلك المفكر الفلسطيني المبدع وائل زعيتر في روما عام 1972، والذنب هو إقامة علاقات وطيدة مع المفكرين والمثقفين الإيطاليين وعلى رأسهم ألبيرتو مورافيا؟! أليس يهودا باراك هو من قاد عملية اغتيال "أبويوسف النجار" والشاعر الكبير كمال ناصر وكمال عدوان، وهم نيام، في بيروت في العاشر من أبريل عام 1973؟ أليست إسرائيل هي التي اغتالت ماجد أبو شرار في روما عام 1981؟ من الذي اغتال خليل الوزير (أبو جهاد)؟ ومن الذي اغتال ياسر عرفات؟ ومن دمَّر بيروت عام 1982؟ من الذي أشرف على مجازر صبرا وشاتيلا؟ من الذي شرد الفلسطينيين من ديارهم ونثرهم في أربع رياح الأرض؟! أليست هي هذه الدولة المحتلة التي لا يخجل الرئيس الأميركي باراك أوباما من وضعها في بؤبؤ عينه؟!

عندما تقف الإدارة الأميركية هذا الموقف المخزي فعلاً فإن عليها ألا تستغرب أن تتسع الحاضنة العربية والإسلامية لـ"داعش" و"النصرة"، وكل هذه التنظيمات الإرهابية... وعلى الأميركيين ومعهم الغرب كله أن يدركوا أن الإرهابيين يستخدمون مواقفهم المخزية تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مبرراً لكل ما يقومون به من جرائم في العراق وسورية وفي لبنان وكل مكان... ألا تدرك إدارة باراك أوباما كَمْ أن موقفها المعيب هذا تجاه موضوع محكمة الجنايات الدولية قد أعطى الإرهابيين دعماً كبيراً وأضعف مواقف المناوئين المتصدين لهم من العرب والمسلمين؟!