ظاهرة التعصب القبلي والطائفي، أو النزعات العنصرية لا تنشأ هكذا من فراغ، فهي انعكاس لواقع مادي، أي أنها أعراض لأمراض كامنة في المجتمع لها أسبابها الموضوعية التي تتعلق بالأساس في وجود خلل ما في نهج الدولة وطريقة إدارتها، وبالذات مدى قدرتها على القيام بوظائفها الأساسية التي يأتي في مقدمتها تحقيق العدالة الاجتماعية التي تعتبر في منتهى الأهمية لأجل حفظ السلم والأمن الاجتماعيين.
إن وجود مكونات متعددة ومختلفة سواء عرقية أو دينية أو طائفية أو مذهبية أو إثنية ليس هو المشكلة هنا، فجميع الدول الحديثة المتقدمة بلا استثناء فيها مكونات متعددة ومختلفة، لكنها تتعامل مع ذلك باعتباره مصدر غنى ثقافي ومبعث اعتزاز حضاري فتعمل بدأب، من خلال سياساتها وقراراتها العامة، على دمج جميع المكونات الاجتماعية في مكون وطني واحد قائم على أساس المواطنة الدستورية المتساوية في الحقوق والواجبات.بمعنى آخر فإن القرارات والسياسات العامة السيئة الناتجة عن احتكار السُلطة والثروة وانحياز الدولة ومؤسساتها ضد فئات وشرائح اجتماعية مُعيّنة وما يترافق مع ذلك من ظلم اجتماعي، وغياب تكافؤ الفرص، واختلال العدالة الاجتماعية هي التي تعبث في النسيج الاجتماعي الوطني ومفهوم المواطنة الدستورية المتساوية، وتؤدي، بالتالي، إلى بروز ظاهرة التعصب القبلي والطائفي المقيت، خصوصا أن الحاجة إلى الانتماء والحماية وحفظ الحقوق تعتبر من الحاجات الأساسية للإنسان التي من أوجب واجبات الدولة القيام بتوفيرها وحمايتها.من هذا المنطلق فإن معالجة ظاهرة التعصب القبلي والطائفي المقيت، والقضاء على النزعات العنصرية النتنة، لا سيما تلك التي تؤثر في اتخاذ القرارات العامة وصناعة السياسات وعملية تنفيذها، لا يتحققان من خلال الاجتهادات الفردية، أو التصريحات المزاجية المُلتبسة لبعض كبار المسؤولين، التي تكتفي بوصف الظواهر السلبية بشكل استفزازي، بل يتطلبان البحث عن أسبابهما الرئيسة وفي مقدمتها، عملية المحاصصة السياسية الفئوية والطائفية على المستويات كافة، والتي لا علاقة لها بمبدأي الجدارة والكفاءة، بدءاً من تشكيل الحكومة وصولا إلى المناصب القيادية في الدولة، بل حتى الوظائف الإدارية الإشرافية في أجهزة الدولة المختلفة ومروراً بإغلاق مؤسسات عامة معينة على فئة اجتماعية معينة، وكأنها شركات خاصة مقفلة، علاوة على انسداد القنوات السياسية الناتجة عن ضيق قاعدة المشاركة السياسية في اتخاذ القرارات، وصنع السياسات بما في ذلك سياسات توزيع الثروة الوطنية وطريقة إدارتها.بعبارات أخرى، فإن إصلاح النهج المتبع في إدارة الدولة ورسم سياسات عامة عادلة مع الالتزام بالدستور، فعلا لا قولا فقط، بالرغم من مثالبه، هو الكفيل بالقضاء على ظاهرة التعصب القبلي والطائفي أو النزعات العنصرية، فجميع الكويتيين بحسب الدستور هم مواطنون أحرار لهم الحقوق ذاتها وعليهم الواجبات عينها من دون أي تمييز بينهم بحسب الأصول أو الطوائف والمذاهب، بيد أن الواقع المادي المُعاش يقول شيئا مغايرا، مع الأسف، لذلك تبرز الظواهر الاجتماعية السلبية المُدمرة لنسيجنا الاجتماعي الوطني مثل التعصب القبلي والطائفي والنزعات العنصرية أيضا، والتي لن تزول بمجرد الاكتفاء بإدانتها ورفضها، أو التهكم عليها ووصفها بشكل سطحي مبتذل، بل بمعالجة أسبابها الجذرية.
مقالات
عن العنصرية والتعصب القبلي والطائفي
20-04-2015