بعد مفاوضات طويلة ومضنية على امتداد سنوات طويلة، تواصلت فيها المفاوضات ولم تثمر شيئاً، لتنقطع ثم تتجدد مرة أخرى وسط مزيد من الحوافز السياسية والاقتصادية المغرية المقدمة من الغربيين والأميركيين لإيران التي كانت تتظاهر بالموافقة المبدئية ثم تتمنع، توصلت دول مجموعة (1+5) إلى اتفاق إطار مع إيران بشأن ملفها النووي المقلق للعالم، يمهد إلى صياغة اتفاق نهائي ملزم، بحلول 30 يونيو المقبل.

Ad

التساؤلان المطروحان، اليوم:

١- ما تداعيات هذا الاتفاق على دول مجلس التعاون؟

٢- ما إيجابيات هذا الاتفاق وسلبياته على الخليجيين خاصة والعرب عامة؟

أتصور أن هذين التساؤلين يشكلان اليوم محور الاهتمام والانشغال الخليجي والعربي، وإلى زمن ممتد، كون الخليجيين والعرب هم الأكثر تأثراً إيجاباً أو سلباً بتداعيات هذا الاتفاق ونتائجه وآثاره سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً ومذهبياً.

بداية لا شك أن الخليجيين حريصون على كل ما يجنب إيران حكومة وشعباً والخليج عامة العواقب السلبية المترتبة على برنامجها النووي كاحتمال التسرب النووي لمياه الخليج، إما بفعل الزلازل أو لخطأ بشري أو تقني، ومن هنا فإن في وجود الإشراف الدولي على البرنامج ما يطمئن الخليجيين ويضمن سلامة مياه الخليج من التلوث النووي.

وهذا أمر إيجابي لنا ولإيران وللعالم، وكذلك في موافقة إيران وقبولها الإشراف والرقابة الدولية ما يضمن لها سلامتها وعدم تعرضها لعدوان من إسرائيل أو غيرها من الذين يرون في البرنامج الإيراني مصدر تهديد وخطر لأمنهم، وهذه إيجابية أخرى لنا ولإيران وللعالم أيضاً، وهناك كذلك إيجابية ثالثة تعود لإيران بالدرجة الأولى، تتمثل برفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها منذ سنوات: اقتصادياً ومالياً وسياسياً وتقنياً، الأمر الذي يتيح لإيران زيادة إنتاجها النفطي من ناحية، وزيادة صادراتها من جهة ثانية، وتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سوقها من جهة ثالثة، ومحصلة كل ذلك ازدهار الاقتصاد الإيراني وانعكاسه إيجاباً على الشعب الإيراني: ارتفاعاً في مستوى المعيشة وتطويراً للخدمات والمرافق، كما يتمناه ويأمله الخليجيون للجارة المسلمة إيران، إسوة بما يتمتعون به أنفسهم من حياة ذات جودة نوعية عالية في بلادهم.

 فالخليجيون المعروفون بـ"الأدب الجم" سياسة وتعاملا، كما يقول عبدالله بشارة في سفره الضخم، يحبون للشعب الإيراني ما يحبون لأنفسهم، فازدهار إيران وارتفاع مستوى المعيشة للشعب الإيراني مصلحة خليجية استراتيجية، فالخليج يتأثر بجاره المسلم سلباً أو إيجاباً، وعندما يكون جاري غنياً مكتفياً أتوقع أن يكون عوناً وسنداً تجاه المخاطر المشتركة المهددة للخليج بيتنا جميعاً.

هذه أبرز الإيجابيات المتحققة عن الاتفاق إذا خلصت النيات، ولكن هذه الإيجابيات يمكن أن تنقلب سلبيات على إيران والخليج والعرب والعالم جميعاً إذا استمرت إيران في سياساتها الحالية، النابعة من أوهام استعادة إمبراطورية ماضوية، عبر عنها علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني ووزير المخابرات الأسبق، حينما قال فيما معناه متباهيا "إيران اليوم، أصبحت إمبرطورية، كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد، حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا، اليوم كما في الماضي"، وطبقاً لرشيد خيون، فإن يونسي يقصد أن مشروع إمبرطورية الولي الفقيه قد اكتمل بالهيمنة على بغداد. نعم، الإيجابيات تنقلب سلبيات إذا استمر أشخاص نافذون في إيران يشحنون الجماهير فيها، ووكلاؤهم في المنطقة يتباهون بسيطرة إيران على (4) عواصم عربية، تحكمها في طرق التجارة والطاقة العالميتين عبر التحكم في مضيق هرمز وباب المندب، معنى استمرار إيران في سياساتها الحالية، في ظل رفع العقوبات وزيادة مواردها المالية، المزيد من الدعم المالي لوكلائها في المنطقة، والمزيد من الفوضى والتخريب والإفساد والاضطرابات المهددة للسلم والأمن في المنطقة والعالم، وهذا يناقض تماماً الأهداف المرجوة من هذا الاتفاق دولياً وإقليمياً، وهذه سلبية كبرى تلغي كل إيجابيات هذا الاتفاق للأسف، ولا يمكن للخليجيين والعرب أن يقفوا متفرجين.

 كما يمكن إضافة سلبية أخرى كبرى أيضاً تلحق بالاقتصاد الخليجي، إذا عمدت إيران إلى إغراق سوق النفط بعد رفع العقوبات بفائضها النفطي المخزون في السفن والمستودعات، الأمر الذي يطلق ضغوطاً تنازلية على أسعار النفظ، لتزداد نزولاً بعد نزول، وإرهاصات ذلك بدأت مبكراً، بتراجع "برنت" 3 دولارات.

وهذا يشكل تحدياً كبيراً للاقتصاد الخليجي لا يقل سوءاً وخطورة عن التسلل الإيراني في المنطقة ودعمه للميليشيات المخربة، وهذا يتطلب من الخليجيين مراجعة جذرية لمجمل عملية الإصلاح الاقتصادي وسرعة تحرك "الأوبك"،

هذه الهواجس تعزز مواقف الذين حذروا من عواقب الاتفاق على الصعيدين الأمني والاقتصادي للخليج والمنطقة، ولسان حالهم: إذا كانت إيران بهذا السلوك العدواني وهي محاصرة بالعقوبات الدولية، فكيف إذا رفعت عنها هذه العقوبات، وازدادت مواردها وتحررت حركتها؟!

الآن: ما موقفنا من هذه التحولات؟

قبل ثلاثة أعوام تداعى الخليجيون إلى مؤتمر نظمه "مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية" بعنوان "الأمن الوطني والإقليمي لدول المجلس"، وعبر د. محمد عبدالغفار- رئيس مجلس أمناء المركز- في ذلك الوقت، عن الرغبة العامة للخليجيين حينما دعا إلى بلورة مفهوم استراتيجي جديد للأمن الخليجي يقوم على الخليجيين أنفسهم، فـ"ما حك جلدك مثل ظفرك"، وأنه قد آن للخليجيين أن يتكلوا- بعد الله تعالى- على أنفسهم في تعزيز أمنهم والقيام بمسؤولياتهم تجاه تأمين المستقبل الخليجي، خصوصا بعد تخلي حليفنا الاستراتيجي التاريخي عن مسؤولياته تجاهنا، هذا الأمن يجب أن يكون نابعاً من الداخل، ومنسجماً مع الاحتياجات الوطنية والإقليمية، ومرتكزاً على أن الأمن الوطني لكل دولة خليجية، جزء من أمن الخليج الشامل.

وهذا ما نراه اليوم ،ولله تعالى الحمد والمنة، حيث تجسد في "عاصفة الحزم" المعبرة عن الحالة الحيوية التي يعيشها الخليجيون خاصة والعرب عامة، إثر استعادة "التوازن الإقليمي" للعرب، كما تعزز في القمة العربية الاستثنائية التي جسدت مفهوم التعاون العربي المشترك الكفيل بوضع حد للعربدة الإيرانية في ديارنا، وإيقاظ إيران من أحلامها وأهدافها.

ختاماً: انطلاقاً من أهمية هذه التحولات وتداعياتها على المنطقة، نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مؤتمره السنوي الـ20 بعنوان "الشرق الأوسط تحولات الأدوار والمصالح والتحالفات".

*كاتب قطري