وجهة نظر: رأس المال الأخلاقي Social Capital

نشر في 14-04-2015
آخر تحديث 14-04-2015 | 00:01
 علي العنزي التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي هدفان رئيسان لكل مجتمع وحكومة في وقتنا الحاضر، ودائماً ما تأتي كمقياس على نجاح هذا المجتمع أو هذه الحكومة، ومن أهم عوامل التنمية بمفهومها الحديث التراكم والزيادة في رأس المال البشري «human capital» ورأس المال المادي «fiscal capital»، وهو ما سينتج عنه نمو اقتصادي على المدى القصير وتنمية اقتصادية مستدامة على المدى الطويل.

ولكن من خلال التجارب وزيادة الرصيد الإنساني المعرفي، تمت إضافة

رأسمال جديد لهما ودراسة أهميته وإضافة قيمته للنمو والتنمية، وهو رأس المال الاجتماعي «social capital».

نعم أنا معكم في أن الترجمة غير دقيقة في عنوان هذا المقال،Social Capital تعني رأس المال الاجتماعي، ولكن اختصاراً للوقت والكلمات فهي تعرف بمجموع القيم وأخلاقيات المجتمع وطبيعة العلاقات الاجتماعية، وبما أنها رأسمال فيجب إذن أن تكون لها قيمة محسوبة رقمياً لتقييم مدى تطورها ونموها، لا أن تكون قيمة هامشية غير محسوبة رقمياً ومن دون إثبات لأهميتها، فرأس المال البشري يعني تطور ونمو قدرات الفرد والمجموعة الفكرية المعرفية والجسدية، لتصب في خانة زيادة إنتاجيته التي ستحسب في محصلتها النهائية جزءاً من النمو الاقتصادي والتنمية على المدى الطويل، كذلك رأس المال المادي والزيادة في الوسائل المستخدمة في الإنتاج أو حتى رأس المال الرأسمالي وتعظيمه، بينما رأس المال الاجتماعي يختلف كثيراً عنهما.

والسؤال: هل الأخلاق العامة والفضائل مؤثرة في عملية النمو الاقتصادي وترسيخ الأخلاق والمفاهيم الاجتماعية الفاضلة مرتبطة بعملية النمو والتنمية الاقتصادية، والإجابة بكل تأكيد: نعم.

وكمثال على ذلك بفرض وجود عائلة تدير شركة خاصة مجموعة من الإخوة والأخوات يعملون على الإنتاج والإدارة لتطوير شركتهم وتعظيم ربحيتها، وبينهم السارق الذي يستطيع بطرق لاأخلاقية تجيير بعض عمليات الشركة لمصلحته الخاصة، وهو بذلك يقتص من النمو الإجمالى للشركة لمصلحته الشخصية، وبالتالي إن كان هناك أكثر من فاسد قد يتلاشى النمو الحقيقي للشركة وتدخل مرحلة الخسائر، وكذلك هو المجتمع أو الوطن ككل، فإن كان هناك فاسدون فسيسرقون جزءاً من أو كل النمو والتنمية الاقتصادية، ويبترونها لمصلحتهم الخاصة من الإجمالى العام.

والعنوان ليس خاصاً بالفساد والسرقات، إنما بجملة الفضائل والقيم المجتمعية التي تثري المجتمع، إذا ما ترسخت عبر أجيال، فإنها لابد ستحسب كقيمة رقمية تضاف إلى التنمية، وتعمل على تطورها وديمومتها، ومن أهمها العدالة، والمساواة، والمراقبة الذاتية للفرد، والإصلاح وحب العمل والإنتاج، كلها مفاهيم دون غرسها وتطورها وتعزيزها في نفوس المجتمع لتكون متأصلة مترسخة في نفوس الأفراد ستكبح التنمية والنمو على حد سواء، وستكون المعضلة التي لا يستطيع تجاوزها أي اقتصاد، وخصوصاً إذا كانت مستفحلة وتلتهم أجزاء كبيرة من النمو والتنمية.

وما وصلت إليه الأمم المتقدمة من تطور وازدهار لم تصل إليه إلا بعد أن رسخت مفاهيم أخلاقية وبشكل أصيل في نفوس الأفراد والجماعات لديها، نعم لا توجد مدينة فاضلة بشكل مطلق، ولكن ما نقرأ عن محاكمة وزير أو مدير بسبب شبهات فساد في بعض الأحيان لا تبلغ نثريات بعض الوزراء والمديرين في بعض دول الوطن العربي، تشير إلى منظومة أخلاق ومراقبة وعدالة قد تزيد وتنقص، ولكننا لا نستطيع إنكار وجودها لديهم وعدم وجودها لدينا.

الأخلاق والقيم تكرس لها الدراسات الأكاديمية العلمية لبحث علاقتها بالنمو الاقتصادي الآن، وأضحت جزءاً لا يتجزأ من عوامل النمو في اقتصادات الأمم، وأصبحت هذه القيم المعنوية ذات قيمة رقمية محسوبة، فكلما زادت القيم المجتمعية الفاضلة في اقتصاد ما، زادت احتمالية نموه الاقتصادي وتنميته المستدامة، وأي اقتصاد دون زيادة أخلاقية قيمية لا شك في أن نموه ناقص ومعرّض لخطر تسرب نمو رأسماله البشري والمادي إلى الفاسدين.

* كاتب صحافي وباحث

في جامعة USM. Malaysia

back to top