أعلنت سابقاً رغبتك في التمثيل مع بديع أبو شقرا، فأخبرينا عن هذه التجربة المسرحية.

Ad

يُقال «يجب التنبه لما نتمناه»، وهذا ما حصل. لم تتحقق أمنيتي في عمل عادي إنما بمسرحية عالمية. بديع وأنا نعشق الوقوف على الخشبة، فضلا عن شوقه إلى تقديم مسرحية في لبنان، بعدما قدّم أعمالاً في المسرح الكندي. ارتحت في العمل معه، وتوّلد هذا الشعور نتيجة أسابيع من التمارين والجهد والتعب، كسرت الجليد في أول لقاء بيننا، خصوصاً أننا لا نجد دائماً من ننسجم معه في ثنائية مسرحية.

ما الذي لفتك في شخصية بديع أبو شقرا؟

تميزه بصفات جميلة، فهو حساس وهادئ الطباع ومبدع، يحضن المرأة بنظرته الرائعة تجاه حضورها في المجتمع، لذا امتلك طريقة خاصة لتهدئة طباعي النارية، وضبط طاقتي المتفجرة وجنوني، فاستفزيته ليتفاعل أكثر معي، وهذا التناقض بيننا بدا واضحاً في العمل وانعكس إيجاباً في الأداء.

لاحظنا أن جوانب معينة من شخصيات المسرحية تتماهى مع طباعكما الحقيقية.

نعم، فبعض من جوانب شخصية بديع الحقيقية يشبه بعضاً من جوانب الشخصية التي يؤديها، كذلك بالنسبة إلى شخصياتي. وقد يظنّ آخرون أن ذلك يسهّل الأداء، إلا أنه صعب، في الحقيقة، لأننا نفضح أنفسنا أمام الجمهور. فما يرونه سهلا استغرق أسابيع طويلة من التمارين والجهد.

لم تقدّما عملا محلياً، إنما نصّ عالمي تخطى الزمان والمكان.

عُرض هذا العمل في إسبانيا وفرنسا وطوال عام في برودواي، ومنذ بدأنا عرضه في لبنان يحظى بإقبال جماهيري وبردود فعل متفاوتة بين الإيجاب والانتقاد. وهذا أمر يفرحنا لأننا محظوظان بتقديم عمل بهذا المستوى الفني في لبنان ويلاقي تقديراً.

يفصل بينك وبين بديع جيل، هل ظهر هذا الفارق على الخشبة أو أثناء التمارين؟

لاحظت ذلك في أحاديثنا الجانبية حول ثقافة المسرح في لبنان والمجتمع وتاريخ بيروت الثقافي والمسرحي. أتعطش باستمرار لتعلم أمور جديدة، لذا اكتسبت من بديع خبرة  في الحياة وفي عمله على خشبة المسارح العالمية، ما حقق لي توازناً معيناً على المسرح.

قدّمت أربع شخصيات في المسرحية، فاندا الهوا (الجريئة والوقحة)، فاندا ديناييف (المتسلطة)، فينوس وأفروديت، أي منها أقرب إلى شخصيتك؟

أحمل جانباً من كل واحدة من هذه الشخصيات، خصوصاً أن لكل منا شخصيات عدّة نستخدمها وفق الزمان والمكان. عندما نكون في عشاء رسمي نتصرف بشكل مغاير عن لقاء رومنسي مع الحبيب مثلا. إنما ما يميّز الممثل عن سواه قدرته على استخراج شخصيات دفينة، نتيجة خبرة وتمارين يخضع لها، فيبتكر كياناً قائماً بذاته مرتكزاً إلى نبرة الصوت وطريقة المشي والتصرف.

أي منها استنفدت قوتك؟

 شخصية «فاندا ديناييف» الموجودة في كتاب «نوبل» لـLeopold Ritter von Sacher-Masoch 1870، إذ بهدف تحضيرها جيّداً شاهدت أفلاماً عن تلك الحقبة، وبحثت عن تفاصيل صغيرة لاستنباط أسلوب كلام النساء في تلك الفترة وطريقة مشيهنّ والنظر إلى الآخر. فضلا عن تركيزي على صوتها بشكل أساس للفصل بين {فاندا الهوا} الساعية إلى أداء الكاستينغ و{فاندا ديناييف} شخصية القصة التي تريد الأولى أداءها.

تضمنت المسرحية جرأة في بعض التعابير، هل تسقط تلك أمام ضرورات فنية للعمل؟

 

يتحدثون عن مفهوم الجرأة لأننا نعيش في هذا المجتمع، بينما هي كلمة نسبية تتفاوت أهميتها وفق مفهوم المجتمعات. وما أستغربه فعلا هو اعتبار بعضهم ما يقدمه الممثل المحلي جرأة فيما يتوجه هذا البعض إلى السينما لمشاهدة أفلام أجنبية جريئة ويصفق لها. هذا الانفصام في شخصية المجتمع مضحك جداً. أحترم تحفظّات البعض إنما لا أقدم شيئاً بشكل مجّاني، لذا ما ورد في المسرحية جاء في سياق طبيعي لمضمونها، من خلال النص وتركيبة الشخصيات وإيحاءات {سادو مازوشية}، في حين لم نشهد إلا ضربة كفّ في نهاية العمل.

تشاركين في أعمال عربية، ألا تخشين اهتزاز صورتك بعد تقديمك هذا العمل؟

ممَّا يجب أن أخاف؟ أنا من يقرر صورتي وأعمالي، لا أحد يفرض عليّ خياراتي. ربما أتجه العام المقبل نحو صورة مغايرة وشخصية مختلفة، عندها سينسى الجمهور هذه الصورة وستحطّم خياراتي المستقبلية القالب الذي وضعني فيه. الدليل، نسيانه جرأة «كعب عالي» ويتحدث راهناً عن «فينوس». انطلاقاً من ذلك، الممثل هو الذي يصقل صورته، ويترك للجمهور الحكم على الأداء.

 

تقدمين دائماً قناعاتك وتدافعين عنها إلى أقصى الحدود، ألا يجب أن تتوقفي عند رأي الجمهور أيضاً؟

لا يجوز أن يرتكز عملنا دائماً على رغبات الجمهور، فنحن لا نقوم بإحصاءات نتحرّك على أساسها. يجب أن نأخذ الجمهور إلى عالمنا الخاص، ما يدفعه إلى التفاعل معنا سلباً أو إيجاباً.

كيف تلقفت ردود الفعل السلبية والانتقادات التي طاولت إعلان المسرحية وطاولتك؟

رغم وضعي قناع المرأة القوية إلا أنني حسّاسة جداً وأتأثر. قرأت انتقادات وردود فعل سلبية مثلما قرأت أموراً إيجابية، حتى بعض البرامج التلفزيونية توقّف عند صورة الإعلان ولم يشاهد المسرحية ولم يحترم كوننا، بديع وأنا من خريجي معهد الفنون، ودرسنا في معاهد أجنبية، وتعبنا وجهدنا سنوات حتى حققنا ما وصلنا إليه. فما حققته هو نتيجة تعبي وتعب أهلي حتى تعلّمت وصقلت موهبتي وجعلت التمثيل جزءاً لا يتجزأ مني.

هذه المسرحية جزء منّي، عندما ينتهي العرض مساء تنهار قوتي، حتى لا أقوى على المشي. لذا تغضبني التعليقات السخيفة والسطحية التي يستخدمون فيها لغة الصحافة الصفراء، فيما نقدم فنّاً عالمياً راقياً. لا يحقّ لهؤلاء أن يملوا عليّ ما أكون وماذا أفعل، أنا سيدة قراري ومسؤولة عن خياراتي التي أتعلم منها، فضلا عن أنني لن أنجرّ إلى مستواهم المتدني، خصوصاً أن أياً منا لا يستطيع إرضاء الجميع، لذا أريد إرضاء نفسي أولا ومن ثم الآخرين. لا أطلب من الجميع تقبّل ما أقدمه أو تأييده، بل الاحترام فقط لا غير.

تمزج المسرحية بين الفلسفة والواقع في علاقة الرجل بالمرأة، الآلهة بالعبيد، ألا تتخطى بأبعادها مستوى الجمهور العادي؟

لم نقدّم مسرحية بسيطة ليفهمها الجميع بل مسرحية تدفعنا لطرح تساؤلات بعد مشاهدتها، لذا يقصدها بعضهم مرة ثانية ليلحظ تفاصيل جديدة. فيما يكتفي البعض الآخر بالمشاهدة للتسلية.

ألا تخشين أن تؤدي جرأتك وطموحك إلى التهوّر؟

أحسب المخاطرة، أقفز نحو الهاوية شرط أن أكون واثقة أين سأقع. هكذا هي الحياة لا ندري إلى أين نتجه لكننا نتعلّم من الخبرات، فنتألم ونفرح، ننجح ونفشل...

هل من مشروع درامي مرتقب أو برنامج جديد؟

أكرّس وقتي راهناً للمسرحية لذا لا شيء آخر في الأفق.

جمهور وأدوار

كلما قدّمت عملا جديداً تطمحين إلى أعمال أهم، ماذا تتوقعين بعد «فينوس»؟

راهناً هي مسرحية القمة، ومن أصعب الأعمال التي قدمت، هكذا شعرت في فترة عرض «كعب عالي» أيضاً. «فينوس» نتيجة مبادرة مني إذ شجعت جاك مارون على تقديمها بعدما شاهدتها على مسارح أجنبية، لذا لا يمكنني توقّع شيء بعد.

بعدما شعر الممثل برهبة المسرح وحرارة الجمهور، هل يمكن أن يقبل عملا درامياً عادياً؟

لا أخون نفسي في الأدوار التي أختارها، أي لا أكرر نفسي ولا أؤدي أدواراً سطحية، من هنا يجب أن يتقبل الممثل فترة الانتظار ريثما يجد ما يقنعه ويتماهى مع ما حققه.

أليست الأدوار التي قدمتها على الخشبة أهم من الشاشة؟

صحيح، فما قدمته مع جاك مارون لم يعرضه علي أي منتج تلفزيوني، آمن مارون بي ووضع ثقته فيّ وخاطر معي. فضلا عن أن مستوى المسرح يختلف عن مستوى التلفزيون، سواء على صعيد التحضير أو الجهد أو النوعية. لا أزال أنتظر فرصة في السينما أيضاً، علماً بأنني أسعى وأفتش وأتعب لإيجاد أشياء جديدة مثلما حصل مع مسرحية «فينوس» لأن الانتظار لا ينفع.

انتقلت من شخصية إلى نقيضها ففي «كفى» كنت المرأة المعنفة وفي «فينوس» «فاندا» المرأة المسيطرة، كيف تفسرين ذلك؟

لا يمكنني التفسير، إنما أعلم أنني أملك طاقة داخلية مخيفة لم أفجرّها بعد. منذ نعومة أظفاري أراقب الناس وأصغي إلى أحاديثهم، وكنت أشعر دائماً أن لديّ حيوات كثيرة مختلفة. فضلا عن أنني أجتهد في سبيل تقديم أي عمل وأغرف من شغفي في الحياة والمهنة.