لماذا بدأت مجموعتك القصصية «تاكسي أبيض» بمقطع من قصة «سور الصين العظيم} للروائي التشيكي كافكا التي يقول فيها «لا أحد يمكنه أن يقاتل ليشق لنفسه طريقاً عبر هذا المكان»؟

Ad

أعتقد أن العنوان والمفتتح يتألفان من عتبات النص، ولهذا فإن اختيار ذلك الجزء من «سور الصين العظيم» لكافكا يمثل أحد مفاتيح فهم النص بما يحمله من عبث وفانتازيا.

لماذا قسَّمت المجموعة القصصية إلى جزأين الأول باسم {القبض على سمكة} يحوي سبع قصص تدور ما قبل الثورة والثاني باسم {غرافيتي} ويضم سبع قصص أيضاً تحكي عن مصر بعد 25 يناير؟

فكرة التقسيم هي أيضاً مؤشر وعلامة من علامات النص. أما فكرة أن القسم الأول يخصّ ما قبل الثورة والقسم الثاني ما بعدها، فهي حكم نقدي أو فهم نقدي للنصوص. ولكن التقسيم كان الغرض منه جعل القصص التي تكون حالة شعورية ونفسية ما متجاورة لتشكل أفكاراً شاملة يدور حولها الجزء الذي يتكوَّن في كل قسم من سبع قصص.

في {غرافيتي} حمل البطل صورة الشهداء ومشى بها من منطقة شبرا حتى منطقة الهرم رافعها على يديه... هل تقصد أن الثورة ستظل مستمرة؟

بالطبع. في العمل القصصي، لا يقصد منه الفعل المباشر وإلا الأفضل أن تكتب مقالة حول الموضوع نفسه. سير البطل في نهاية القصة هو فعل مفتوح له معان متعددة، من بينها الاحتجاج أو عدم تأقلم الفنان مع مجتمعه أو أن الثورة مستمرة. المهم أن يكون الفعل متسقاً مع الحدث القصصي وغير دخيل عليه، وهذا ما حرصت عليه في المجموعة.

صدرت الطبعة الثانية من المجموعة بعد نفاد الأولى وحصدها المركز الثاني لمبيعات {الدار المصرية اللبنانية}. هل كنت تتوقع ذلك، خصوصاً أن كتابات الفانتازيا لا تلقى اهتماماً كبيراً من القراء العاديين؟

لم أكن أتوقَّع أن تنفد الطبعة الأولى في شهر واحد وهو ما مثَّل لي دهشة كبيرة، ولم يحدث ذلك في أي من أعمالي السابقة. بالتأكيد، أسعدني هذا الأمر، لا سيما أنني لم أتنازل عن القيم الفنية لأجل السعي إلى الفكرة الأكثر مبيعاً، وكان هدفي الأساسي أن أكون صادقاً في التعبير الفني عمَّا يشغلني من أفكار وأساليب الكتابة والتجريب في القصص. وربما نجح الكتاب في التماس مع قضايا وأفكار تهم القارئ راهناً، وربما ندرة ما تنشره {الدار المصرية اللبنانية} من قصص قصيرة كان عاملاً في التعرف إلى الكتاب. عموما، ليست لدي أسباب يقينية لوصول الكتاب إلى قوائم الأعلى مبيعاً في الدار، ولكن ما أسعدني هو اهتمام القراء والنقاد باستقبال الكتاب.

شغف وتوثيق

قاص، روائي، كاتب مسرحي، مصور فوتوغرافي، سيناريست ومعد البرامج... من الأقرب إليك وكيف تدير هذه المنظومة الأدبية والفنية في داخلك؟

أعتقد أن ما يحركني هو الشغف. فكرة توثيق الغرافيتي بالفوتوغرافيا مثلاً، كانت رائدة عندما أصدرت كتابي الأول {أرض أرض حكاية ثورة الغرافيتي}. كلمة ثورة الغرافيتي صارت متداولة بعد ذلك، بل وتم اعتبار الغرافيتي فن الثورة الأول. وكان عملي أول كتاب يصدر عن فن الغرافيتي ليس في مصر وحدها بل في الوطن العربي كله، وقد صدر في بدايات عام 2012 أي بعد مرور أقل من عام على الثورة المصرية وحصل على جائزة أفضل كتاب فني في معرض القاهرة الدولي للكتاب. بالتالي، فإن الشغف الشخصي هو ما يحرك الإبداع لدي سواء كان تصويراً أو كتابة بأي شكل من أشكالها: قصة أو مسرح أو مقال أو سيناريو. أما عن إدارة الموهبة، فهو عنصر أهم من الموهبة نفسها. ثمة مبدعون كثيرون، في مصر وخارجها، عملوا في أكثر من مجال، ونجيب محفوظ مثلاً كتب السيناريو والمسرح والقصة القصيرة والرواية، وصلاح جاهين كتب في تلك المجالات كافة وكان رسام كاريكاتور قديراً.

إلى متى سيستمر الصراع بين الروايات المسماة بـ{البوليسية الخفيفة} التي تحصد أعلى نسبة مبيعات وبين الكتابة الأدبية الرصينة والفانتازيا؟

أعتقد أنه ليس ثمة صراع من الأساس، فكما أن الفن اختيار فالقراءة أيضاً، ورواج أي نوع أدبي يعود بالفائدة على صناعة النشر، ويسهم بالتالي في بروز دور نشر جديدة ستهتم بالأنواع الأدبية المختلفة. والقارئ لا يقرأ كتاباً واحداً، بل بالتأكيد ستتنوع اختياراته مع الوقت. والقصة البوليسية أحد أجمل أنواع العمل الإبداعي. ولنا أن نتذكَّر أن ثمة قصصاً بوليسية تعتمد على واقع الجريمة كتبها إدغار آلان بو، وقصصاً بوليسية كتبتها أغاتا كريستي، ولكل منهما جمهوره.

هل ترى أن مزج الواقع المعاش بالفانتازيا يعطي حالة من الإثارة لأجواء الأدب أم أن المجتمع بطبيعة الحال أصبح مليئاً بالكوميديا السوداء والفانتازيا؟

أعتقد أن الواقع مليء بالكوميديا السوداء والعبث والفانتازيا، ولكن المهم أن تكون لديك الحاسة الفنية لتحويل ذلك إلى عمل إبداعي. نجيب محفوظ، على سبيل المثال، أخذ قصة السفاح المتداولة في الصحف وحولها بفنية عالية إلى إحدى أجمل رواياته وهي {اللص والكلاب}. الأفكار موجودة ومتداولة، ولكن كيف سنتناولها فنياً وإبداعياً؟ ذلك هو السؤال.

لماذا لا تشغل القضية النوبية جزءاً كبيراً من أعمالك الأدبية، لا سيما أن أصولك ترجع إلى النوبة؟

أعتز جداً بانتمائي إلى النوبة وحضارتها التليدة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ وهي إحدى روافد مصريتي. كتبت قصصاً قصيرة عن النوبة ستجدها متناثرة في مجموعاتي القصصية كما في مجموعتي {مقطع جديد لأسطورة قديمة} و{خدمات ما بعد البيع}. ولكني أحاول التعبير بشكل أكثر عما يشغلني من قضايا وهموم ذاتية، وأنا من جيل ولد بعد غرق النوبة وبناء السد العالي، لذا أعتبر أن التعبير عن همومي الخاصة كإنسان يشمل المصريين كلهم ومن بينهم أهلي في النوبة .