لنكن منصفين معها
ليس بالضرورة أن يكون للمعارضة برنامج واحد ومحدد المطالب تجاه السلطة، فرغم أن ائتلاف الأغلبية نشر رؤيته نحو الإصلاح وفق اجتهاده، واختلفت بعض فئات المعارضة على تفاصيلها، وبالرغم من الاختلافات الكبيرة بين مجموعات المعارضة، سواء تمثلت تلك الاختلافات في «أسلوب» الطرح برفض التشدد في لغة الخطاب للسلطة، أو في «غايات وأهداف» المطالبة، كالدعوة إلى حكومة منتخبة (بالأسلوب العامي)، بمعنى أن تكون مشكّلة من الأغلبية النيابية، أي من حزب الأكثرية أو بائتلاف من الأحزاب الفائزة (في الوقت الذي تتحرج فيه المعارضة من لفظ «أحزاب»، وكرست لفظ «هيئات» تحت ضغط الجماعات السلفية فيها!!) أو، في المقابل، رفض الحكومة المنتخبة، باعتبار أنه مطلب غير واقعي في مثل الظرف الكويتي والإقليمي، والقبول عوضاً عنه بحكومة «صباحية»، أي برئيس وزراء من الأسرة يكون محل توافق بين المعارضة وأسرة الحكم. وبالرغم من كل الاختلافات والنقص والعوار في طرح المعارضة بالأسلوب والغايات، قدمت هذه المعارضة تضحيات كبيرة من قبل بعض قياداتها، وقدمت خدمات للدولة حين ضربت بشدة في قضايا الفساد.
فمن ناحية، كان بإمكان عدد من نواب المعارضة الذين تم إرهابهم بـ «قفازات القانون» وتم إغراقهم، في ما بعد، بسيل من الدعاوى الجزائية والمدنية أن يتجنبوا مثل تلك المخاطرة، إن صح مثل التعبير، فيصمتوا عن التحويلات المليونية مثلاً أو الإيداعات، أو ملفات تفصيل المناقصات وغيرها من مسائل الفساد التي تمتد بطول الدولة وعرضها، لكنهم لم يفعلوا، ربما كانت لهم أحلامهم العريضة في المجد والسلطة، وتلك، بالمناسبة، أحلام مشروعة لكل سياسي، وآثروا الدروب الصعبة في طرح رؤيتهم، ومازالوا يدفعون الأثمان المكلفة لذلك الطرح. ومن ناحية أخرى، يحق لنا أن نتساءل عما إذا كانت ملاحقة قضايا النهب ممكن أن تحدث لولا وجود تلك الأصوات العالية التي أثارتها المعارضة. فنعرف مثلاً، أن فهد الراشد قدّم بلاغه للنيابة العامة عام 2008 ضد مدير التأمينات السابق، وظل فهد يلاحق منفرداً موضوع البلاغ، وكان استجواب وزير المالية الشمالي، وردود الوزير في وقت لاحق، محاولة ناجحة لقبر الشبهات المريبة ضد المدير السابق، ولم يكن للمعارضة حينها صوت واضح في تلك القضية، سواء حدث ذلك لاعتبارات قبلية أو «شللية»، أو تحقيقاً لسياسة تحميل الجميل التي مارسها المدير السابق (دهان سير) بإيداع مبالغ مالية ضخمة من التأمينات لشركات متهاوية يملكها أصحاب الحيثيات، وتجنيبها الإفلاس، أو ساهم ذلك المدير بالتبرع والإهداء لبعض الأفراد النافذين لضمان سلامة ظهره السياسي، إلا أنه يظل - برأيي - أن المناخ العام ضد الفساد، بفعل المعارضة كان عاملاً مساعداً للدفع بالقضية إلى ما وصلت إليه في ما بعد. في كل تلك المسائل نحن مدينون للمعارضة، مهما كانت أخطاؤها في بعض الأحيان، ومهما كان نزقها في ظروف كثيرة، فماذا نريد وماذا نتوقع من معارضة تتم محاصرتها إعلامياً وسياسياً، وتتم ملاحقتها قانونياً، ولا تترك لها أي فرصة للتطور والنمو؟، فلنكن منصفين في حكمنا على هذه المعارضة.