في إطار نشاطات معرض القاهرة الدولي للكتاب، عُقدت ندوة بعنوان «الترجمة... تجارب مؤسسة ألمانيا نموذجاً» أدارتها الدكتورة سهير المصادفة، وتحدث فيها متخصصون، طرحوا رؤاهم حول ما يعوق هذا الجانب المعرفي المهم الذي سيظل أحد محاور النهوض بالأمم في المجالات كافة .

Ad

تحدثت د. أماني كمال سيد صالح عن تجربتها في ترجمة ثلاثة كتب من الألمانية إلى العربية حول الحضارة المصرية القديمة، وعن بردية متحف تورينو: علوم الخرائط والأرض ووصف التضاريس، إحدى المخطوطات النادرة في علم الخرائط لمصر القديمة، رسمها أمون ناخت عام 1150 قبل الميلاد، وهي لا تعتبر أول خريطة طوبوغرافية فحسب بل إحدى أوائل الخرائط الجيولوجية المعروفة على الإطلاق، ويشبه تكوينها المبادئ الحديثة لعلم الخرائط.

كذلك تناولت أستاذة الأدب الألماني والأدب المقارن والترجمة في قسم اللغة الألمانية بكلية الألسن جامعة عين شمس حركة الترجمة من الألمانية إلى العربية في مصر في الآونة الأخيرة، واهتمامها، مع القسم، بترجمة أدب الأطفال والشباب الألماني الذي لم يحظ بدراسة، مشيرة إلى ارتفاع عدد دور النشر الألمانية المتخصصة في أدب الطفل (ما يزيد على 70 دار نشر)، في مقابل ضآلة عدد دور النشر المصرية في هذا المجال.

جدارة الأجداد

في إطار ندوة {الترجمة... تجارب مؤسسة ألمانيا نموذجاً} في معرض القاهرة الدولي للكتاب كانت كلمة أيضاً للدكتور عاصم العـماري، أساتذ في قسم اللغة الألمانية  كلية الألسن جامعة عين شمس، قال فيها إن أجدادنا عرفوا الترجمة وأثبتوا جدارتهم فيها وتفوقوا على الشعوب قاطبة وهذا سر نجاحهم في التواصل والتكامل مع الأمم الأخرى .

أضاف: {رغم حرق القيصر كاركلا مكتبة الإسكندرية (تأسست سنة 300 قبل الميلاد وضمت سبعمائة ألف مخطوطة) في القرن الثالث الميلادي، فإن العرب لم ييأسوا بل سعوا إلى نقل الحضارة اليونانية القديمة، ولولاهم لما عرفت البشرية هذه الحضارة العريقة} .

تابع: {أدرك العرب أن الترجمة أهم أدواتهم للحاق بركب الحضارة، لذا شغفوا بالحضارة اليوناينة، وعندما أسس المأمون مدرسة الحكمة للترجمة (عام 680 م)، تابعوا هذا العمل المتميز في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين في مدرسة طليطلة للترجمة بالأندلس التي ازدهرت فيها الحركة العلمية للعرب، وانكبوا على نقل الحضارة اليونانية القديمة للبشرية جمعاء، وحشدوا لها المترجمين المجيدين كابن البطريق ثم الفارابي، ولم يتخلص العرب من هذا التراث بحجة أنه أجنبي بل حفظوه وأعادوه إلى الحياة، وطوروا هذا العلم ليصبح تطبيقياً تستفيد منه البشرية، مشيراً إلى ظهور الطبعة الأولى للقاموس العربي الإنكليزي للمستشرق إدوارد وليم لين والشيخ الأزهري إبراهيم عبد الغفار الدسوقي في لندن عام 1863، ما يؤكد الدور الفاعل للترجمة في التواصل مع الأمم، رغم تباين وجهات النظر حول قضايا عدة، فالاختلاف يعمق الاحترام المتبادل ويؤكد حتمية الحوار.

وتابع: {من البديهي أن نجيب محفوظ لم يكن أديباً مغموراً ولكن ما نقل من أعماله، على سبيل المثال لا الحصر، إلى الألمانية قبل فوزه بجائزة نوبل هو {ثرثرة فوق النيل} أصدرته دار نشر مغمورة في برلينEdition Orient  أعلنت إفلاسها بعد ذلك بوقت قليل} .

 عزا العماري الأسباب إلى التراجع في حركة الترجمة وغياب خطة واعية وترك المجال للغرب الذي بدأ يتحدث فجأة وللمرة الأولى عن عالمية الأدب العربي ودوره البارز في نشر السلام والتواصل بين الحضارات، بعد جائزة نوبل لمحفوظ، {وما لبث أن غمر فيضان من ترجمات الأدب العربي، الأسواق الأوروبية، ومن فرط شغف القارئ بهذا الأدب تم نقله، من دون ضابط أو رابط، ومن أشخاص تنقصهم خبرة في الثقافة العربية والترجمة، والأغرب من ذلك تخصص دارين للنشر في سويسرا فحسب.

ختم: {من هنا نحاول وضع حجر الأساس لبداية واقعية سليمة أساسها: اللغة العربية، الكتاب العربي، دور النشر، معارض الكتب، مؤسسات الفكر العربي، الدعاية والتسويق للثقافة العربية في الداخل والخارج، دعم القراءة، مع الحفاظ على الهوية وصناعة المترجم وخطط للترجمة ودعمها، وأخيراً اتقان اللغات الأجنبية والتعرف إلى ثقافات أخرى وتقبل الحوار والاختلاف في الرأي مع الآخر}.