تتحدث الصالونات السياسية في بغداد وأربيل عن تلكؤ في التزام الطرفين مع أكبر الشركات العالمية في مجال النفط، يؤدي إلى تقييد العرب والأكراد معاً، خلال محاولة التوصل إلى تسويات داخلية. ويراقب الجمهور حوار أربيل وبغداد حول مشكلة النفط التي بدا للحظة أنها وجدت طريقها إلى الحل، لكنها وصلت إلى طريق مسدود بنحو مفاجئ، وأشاعت جواً من الامتعاض حول قدرة حكومة حيدر العبادي على تخفيف الاحتقانات.

Ad

وفي محاولة تفسير التلكؤ هذا، اكتفت بغداد بالقول، إن أربيل لا يمكنها تصدير كميات النفط المتفق عليها (550 ألف برميل يومياً) وإن الأسباب «فنية»، وإن الاتفاق لم يمت بعد، وحين تتمكن أربيل من استكمال طاقتها التصديرية فإن بغداد ستدفع لها حصتها من الموازنة المالية العامة.

لكن تعبير «الأسباب الفنية» يُخفي وراءه تفاصيل كثيرة لم تخرج إلى العلن، وهي أمور تتعلق بحجم الالتزام مع كبريات شركات النفط الأجنبية التي تستثمر في كردستان وفق عقود التشارك في الإنتاج.

واضطرت أربيل إلى صيغة عقد مغرية لجذب الشركات إلى مناطق جبلية ترتفع كلفة الاستخراج منها، وتحاط بمحاذير الأمن والمصير السياسي القلق. ولذلك وجدت أربيل نفسها مقيدة في قرارات التصدير، لأن النفط أصبح مشتركاً مع مصالح الشركات. وازدادت القيود على أربيل حين أمر رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بقطع المال عن الأكراد، فاضطرت الإدارة الكردية إلى الاقتراض من شركات النفط ذاتها، لدفع مرتبات موظفيها وفاتورة الحرب مع «داعش». وحين اتفقت مع بغداد على تصدير نحو نصف مليون برميل تدعم الموازنة المالية، وجدت نفسها مطالبة بالتسديد للأجانب أيضاً، وأدى هذا التفصيل «الفني» إلى شكوك في بغداد بما سيحصل لاحقاً.

وهنا راحت أربيل تطلب من الحكومة العراقية مراعاة الظرف الاستثنائي هذا، وإبداء المرونة في تطبيق الاتفاق، لكن المشكلة لم تتوقف عند ذلك، فبغداد تلكأت بدورها في تسديد نحو 20 مليار دولار لعمالقة البترول العاملين في البصرة، وإذا لم يدفع هذا المبلغ فقد يبرز خلاف مع الدول الكبرى يؤثر على وضع العراق في السوق. ومع انهيار أسعار البترول بدا ذلك عبئاً ثقيلاً يهدد بعجز مالي لا تقف تأثيراته عند الحرب مع «داعش» وتكاليفها، بل يصعب على بغداد أيضاً مساعدة الأكراد. وآخر ما كان يتوقعه العراقيون، هو أن تتحول التزاماتهم مع كبار المستثمرين الأجانب، إلى عبء يقيّد محاولات التسوية السياسية.