رتلُ التساؤلات
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
كان عام 2014 معتماً بالنسبة لنا، كما كان القرن العشرون معتماً بالنسبة للعالم أجمع. والعام الجديد صفحة بيضاء لم يُنقش عليها شيء بعد، شأن القرن الجديد. القرن السابق أنجز حروباً عالمية كبرى، وسفك دم الملايين. والقرن الجديد ينجز حروباً صغرى، لا تعجز عن سفك دم الملايين. والتقدم المادي في العلم مذهلٌ في القرنين، ولكن بالرغم من أن هذا العلم هو وليد العقل الانساني، فإن هذا العقل عاجز عن أن يطال هذا التقدم المادي بالتقدم المعنوي. إنسان يعجز عن التعبير عن افتتانه بجمال الوردة التعجيزي، فيقضمها بين أسنانه، ويبتلعها. ورد هذا في خاطري، وأنا أفتح مرتاباً صفحة «الفيسبوك»: طوفان كاسر من الاحتقان، والضغينة، والكراهية، والبحث عن أعداء. المثير للذعر أن الأصوات التي تريد أن تكون آملة، ومبشرة، ومحبة، ومتفانية تبدو إرادتها هذه متطرفة بصورة تذكر مباشرة بالتطرف الذي أثار ذعري في الأصوات المحتقنة، والمضطغنة، والكارهة. التطرف هو السمة المشتركة إذن. والتطرف معيار قيمة في تشخيص الشر.في كل حب تكمن كراهية ممكنة.في كل نفس يقيم نور الله ونار الشيطان.والانسانُ مسرحُ دراما لا تُطفأ أنوارُه. وهذه الدراما، التي هي قدرُه، هي محكُّ قيمتِه أيضاً. لقد سعى الانسان، منذ فجر العقل، إلى أن يعرفَ، ولكنه لم يسعَ إلى أنْ يزنَ معرفته بميزان النفع والضُر، والخير والشر. العاطفةُ الحارقة عمياء، لها أنْ تبتكرَ قصيدةً، ولها أن تبتكرَ سكيناً. وهي ساحرة في كليهما. والشاعر الشاعرُ من يقدر أن يزنَ عاطفته بميزان النفع والضُر، والخير والشر. وزِنةُ القصيدة يتكفّل بها القارئ القارئ. ولذا فعاطفةُ الشاعر الذي يزِنُ بميزان النفع والضر، والخير والشر، عاطفةٌ ذاتُ بصيرةٍ، دائمةِ التحديق، ولا أجفان لها.كم قصيدة صفق لها الناس، جاءتهم غفلةً وحزّت رقابهم. لأن الكراهيةَ، والضغينة كامنتان في العاطفة الحارقة، كمونهما في الحب. والعاطفةُ التي تفتقد البصيرة ملاذٌ آمن للكراهية والضغينة. وفي الشعر العربي، والعراقي بخاصة، وفرةٌ وافرة من القصائد التي صفّق لها الناسُ، ويصفقون، وسيصفقون طويلاً، حتى تهترئ الأكف. ولا أحد يُقارب هذا الحماس بحزّ الرقاب! القصيدةُ ذات البصيرة لا تقرب الناس عنْ تعالٍ، بل عن حذر، تجاورهم طمعاً في تأملهم، ولا تجاريهم. حين تنتابها الضغينةُ تُطفأ، وأسماكُها لا تجاري التيار:نُشارةٌ رتل تساؤلاتي تلفظها أسنانُ مِنْشارٍ على وقعِ ثوانٍ طوالْ.نُشارةٌ كل مسرّاتيوهي على مقعدها الأثير في الخمّارة الأثيرةتنحتُ بالإزميل ليلَ السؤالْ:من أنت؟أنا الذي يعجِزُ عن إبطالْعُبوةٍ ناسفةٍ تحت الخُطى الغافلة،يعجِزُ عن إمالةِ الرصاصة القاتلةعن سيرها في لحظةِ الاغتيالْ.