تستمر حتى الآن عمليات الجيش المصري لتأمين سيناء في معركة متعددة الأطراف، لكنها جميعاً تنضوي تحت عنوان أساسي هو محاربة الإرهاب، تحوّل شبه جزيرة سيناء إلى نقطة تجمّع وحضور للإرهابيين والمتطرفين. وللحق فإن البداية كانت قديمة نسبياً عندما أهملت الحكومات المتعاقبة تلك المنطقة شديدة الحيوية، وتركت المجال للمخربين والمهربين لينتشروا ويتحالفوا ويخلقوا واقعاً تدفع الدولة اليوم ثمنه.
ولكن هذا لا يغفل الدور الكبير الذي تسببت به جماعة "الإخوان" التي قفزت إلى سدة الحكم في مصر سنة واحدة، مكنّوا فيها قوى الإرهاب والتطرف المتحالفة معهم من التسلل إلى مصر، بل والدخول إليها دخول الفاتحين في بعض الأوقات، وفي هذه المرحلة تحولت سيناء بالفعل إلى قاعدة أساسية لهؤلاء، بغطاء ودعم ممن يسيطرون على الدولة المصرية وقتها، هذه الحقائق تسببت في أن يكون حل مشكلة وجود الإرهاب في سيناء مسألة تتطلب وقتاً وجهداً، وبالتأكيد يدفع أهل سيناء ثمناً لهذه الحرب، ويتسبب ذلك في تأخر أي خطوات من أجل تطوير سيناء وتنميتها.مرة ثانية، أقول إن المشكلات لا تحل بعقد اللجان الحكومية، ولا بالاجتماعات وحدها، والحديث عن تنمية سيناء يجب أن يتجاوز مرحلة اللجان إلى مرحلة البدء الفعلي في التنفيذ والتنمية، فهذا حق أبناء مصر في سيناء، وحق هذا الجزء من أرض الوطن علينا، تطوير حياة أبناء سيناء وتوفير كل الوسائل التنموية والمعيشية لهم، سواء على مستوى الزراعة أو الصناعة أو التعدين، وتوفير مصادر المياه اللازمة للمعيشة والري والأنشطة المختلفة، يجب أن يتجاوز مرحلة الورق واللجان إلى تنفيذ فوري، والمطلوب الآن هو اتخاذ قرارات حاسمة وعاجلة، ولا ننتظر لجاناً تجتمع لتصدر قرارات، نحن في حاجة إلى تدخّل مباشر وإجراءات مباشرة، وبدء التنمية على الفور حتى والمعركة ضد الإرهاب قائمة. وقد تكون هذه مناسبة للإشارة إلى حكاية الـ 400 قرية التي كان مزمعاً إقامتها، تعود هذه الحكاية إلى عصر الرئيس السادات، عندما استدعى المهندس حسب الله الكفراوي، وكان وقتها وزيراً للإسكان، وأصدر إليه تكليفاً بالبدء في إعداد الدراسات اللازمة لإعادة إعمار سيناء، مع التركيز الشديد على القطاع الأوسط، والذى يسمى مسرح الدبابات، لأن له أهمية استراتيجية خاصة في أمن سيناء من الناحية العسكرية، يومها طلب الرئيس الراحل استصلاح وزراعة 400 ألف فدان في هذه المنطقة بالذات، وطلب أيضا إنشاء 400 قرية بحيث توزع هذه الأراضي وهذه المساكن على الجنود المسرّحين من قواتنا المسلحة، وطلب أيضاً أن يقام كل بيت في هذه القرى وفيه مخبأ تحت الأرض به مخزن للسلاح ومخبأ للسيدات والأطفال، وتم تصميم هذا البيت وشارك في ذلك اللواء فؤاد عزيز غالي، قائد الجيش الثاني الذي كان على علم بكل هذه الخطة، وفقا لما رواه الكفراوي في ما بعد.أقيم في بداية هذه الخطة التي أعدت وقتها، ولا نعرف أين هي الآن، نموذج فى قرية ميت أبوالكوم الجديدة أمام مبنى هيئة قناة السويس شرق الإسماعيلية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف وإقامة هذه القرى واستصلاح هذه المساحة الضخمة من الأراضي كان من الضروري التركيز على توفير مياه الشرب والطرق والكهرباء، وبالفعل تحقق ذلك بإنشاء محطة القنطرة غرب ومحطة مياه أحمد حمدي، وإنشاء الطريق الأوسط من نفق أحمد حمدي، وحتى الآن توجد نماذج للبيوت التي طلب السادات إنشاءها في رمانة وبالوظة على الطريق الدولي للعريش، وهي بيوت بدوية يسكن فيها أهالي سيناء، يومها كان السادات واضحا ـ كما يروي الكفراوي ـ وهو يؤكد تملّك المصريين فقط للأراضي في سيناء، بحيث يكون المالك مصرياً حتى جده الثالث، ومنع تمليك الأراضي تماماً في سيناء للأجانب. وهنا يطرح السؤال: لماذا توقف مشروع زراعة 400 ألف فدان، وإنشاء 400 قرية بمواصفات أمنية واضحة وصريحة وتمليك هذه الأراضي للجنود المسرّحين من القوات المسلحة وللمجاهدين من أهل سيناء الذين يحصلون على 13 جنيهاً شهرياً كإعانة، ولماذا توقف مشروع انتقال ثلاثة ملايين مواطن من الدلتا إلى سيناء؟!قد يكون هذا الوقت مناسباً لإعادة فتح الأدراج لإخراج مثل هذه المشروعات وإعادة دراستها.
أخر كلام
استعادة سيناء بـ 400 قرية
10-01-2015