في 6 يناير أقيم الاستعراض السنوي لعيد الجيش العراقي ببغداد، في احتفال يثير مشاعر متضاربةً بين العراقيين؛ فالموكب يسير في النهاية تحت سيوفٍ ضخمة صلبة تمسكها أيد برونزية عملاقة مصمّمة على شاكلة أيدي صدام حسين نفسه.
وبالنسبة إلى الأكراد، ذلك أشبه بطقسٍ مشؤوم، من مخلفات عصر كانت فيه القوة العسكرية في بغداد تفوق بكثير قوة الأكراد العسكرية، وكانت تُستخدم فيه سلطة الدولة العراقية بلا رحمة ضد الثوار شمالي البلاد، ووفقاً للأكراد، فكلما زادت قوة الجيش العراقي، زاد احتمال استخدامه ضد كردستان مرةً أخرى.ولطالما كان سنّة العراق القوة الرائدة بالجيش العراقي منذ تأسيسه في 6 يناير 1921، ويتذكر السنّة باعتزاز الجيش قبل 2003 كمؤسسة وطنية لا مثيل لها، بينما ينظرون اليوم إليه على أنه مجرد ظلٍّ خافتٍ لما كان عليه تحت هيمنة ضباط شيعة.إلاّ أنّ وجهات نظر الشيعة في العراق قد تكون أكثر تعقيداً، فقبل 2003، كانت تستخدم قوة العراق العسكرية بشكل منتظم كأداة قمع ضدّ شيعة البلاد، ومع ذلك يتذكر أيضاً العديد من الشيعة الأكبر سناً الجيش كرمز للحداثة والاعتزاز القومي العربي، وبوجود حكومة يقودها الشيعة ببغداد، بدأ شباب الشيعة ينظرون إلى الجيش كمؤسسة ودية. غير أنّ انهيار وحدات الجيش العراقي في شمال وغرب العراق في يونيو 2014 أضرّ بسمعة الجيش، حيث أصبحت تنسب الانتصارات الأخيرة إما إلى ميليشيات «الحشد الشعبي» ذات الغالبية الشيعية أو إلى كوادر القوات الخاصة الصغيرة جداً - أو ما يُسمى «الفرقة الذهبية». هذا العام حاسم للجيش العراقي الذي يواجه خطر خسارة مكانته كالقوة المسلحة الأولى في البلاد، ففي عام 2009، عندما وصلت جهود "التدريب والتجهيز" بقيادة الولايات المتحدة إلى أوجها، نشر الجيش العراقي 55 لواءً مقاتلاً يضمون ما يقرب من 210 آلاف جندي، بينما نشرت الداخلية العراقية 30 لواءً أصغر حجماً، بـ120 ألف عنصر. أما اليوم، فينشر الجيش العراقي 40 لواءً ضعيفاً بقوة قتالية إجمالية تبلغ 48 ألف جندي، وفي المقابل، تمكنت الداخلية أن تنجو من أحداث الصيف بشكل جيد نسبياً، وهي تنشر الآن 24 لواءً بقوة يبلغ مجموع عناصرها حوالي 36 ألف جندي وبذلك تقلصت الفجوة بين الوزارتين الأمنيتين.وبالإضافة إلى الجيش ووزارة الداخلية، هناك قوتان أمنيتان أخريان آخذتان في الصعود، الأولى قوات «الحشد الشعبي» التي يبدو أنها تنشر نحو 100 ألف جندي، بمن فيهم كادر هجومي مؤلف من 20 ألف مقاتل مدرب جيداً.أما القوة المحتملة الأخرى، فهي «الحرس الوطني» الذي ينظر إليه السياسيون العراقيون كخيار وارد، وستُدرَّب هذه القوة، نظرياً، وتجهز ويُدفع لها رواتب من الحكومة العراقية الاتحادية، بينما تتولى مجالس المحافظات تجنيد عناصرها وتشغيلها. وفي خطوة تجاه هذه الفكرة، تم تزويد لواء تابع لـ«قوة أمنية عشائرية» شُكلت لمقاتلة تنظيم «الدولة الإسلامية» بالتنسيق مع القوات الأمنية في يونيو 2014، مؤلف من 5000 جندي ومجهز من الولايات المتحدة بما يساوي 13.5 مليون دولار من الأسلحة والتدريب الأميركيين ضمن ميزانية وزارة الدفاع الأميركية الجديدة، والآن على الحكومة العراقية أن تقرر هل ستدفع البلاد رواتب هؤلاء الجنود باعتبارهم جزءاً من أولى وحدات «الحرس الوطني» في ميزانية 2015 أم لا. ومن غير الواضح بالضبط أي وزارة ستتولى تدريب جنود «الحرس الوطني» وتجهيزهم ودفع رواتبهم: هل الدفاع التي تدعمها الولايات المتحدة برئاسة الوزير خالد العبيدي، وهو سنّي من الموصل، أم الداخلية برئاسة محمد الغبان، وهو أحد قادة «منظمة بدر» وملازم مقرّب من زعيم «منظمة بدر» هادي العامري، ويمكن لهذا المخطط أن يصبح وسيلةً لتوظيف قوات «الحشد الشعبي» بشكل دائم في وحدات «الحرس الوطني» بالمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية.وبوجود قوات "البيشمركة" الكردية التي تمثل قوةً كبيرةً أخرى مؤلفةً من 54 لواءً يضم 113 ألف جندي، يسير الجيش العراقي على المسار الصحيح ليصبح إحدى أصغر القوات الأمنية في العراق، وسيشكّل أداء الجيش والدعم الدولي له في 2015 عاملين حاسمين في تحديد مستقبل هذه المؤسسة. وشهدت الفترة الأخيرة بدء عملية بطيئة لإعادة بناء الجيش، إذ بدأت تظهر ألوية جديدة نصف مأهولة في قواعد التدريب في الناصرية وكركوش وفي نقاط جمع فرق الجيش المهزومة في شمال وسط العراق، كما ستتبعها وحدات أخرى في الأشهر المقبلة. وفي الوقت نفسه، سيهدف برنامج تدريب وتجهيز ممول من الولايات المتحدة بمبلغ 1.6 مليار دولار إلى إنشاء 9 ألوية إضافية هذا العام، ما يضيف 45 ألف جندي إلى الجيش ويضاعف مرتين قوته القتالية بالخطوط الأمامية. وقد وصلت أولى المركبات الـ 250 "المدرعة المقاومة للألغام والكمائن" المقدمة من الولايات المتحدة إلى العراق بعدما أرسلتها الولايات المتحدة مباشرةً دون أي تكلفة من أفغانستان، كما سيقدم الجيش الأميركي 3.496 عربةً تكتيكية أخرى ("هامر" وشاحنات وناقلات وقود ومركبات هندسية) إلى الجيش العراقي دون تكلفة، وسيشتري العراق ألف سيارة "هامر" مدرعة حديثة الصنع من طراز M1151A1. وإذا وفت الولايات المتحدة بوعودها بالتدريب والتجهيز، فقد يتمكن الجيش العراقي من الصمود بعد العام الكارثي الذي أمضاه في 2014، ومن تأدية دور أساسي في الصراع لإخلاء قوات داعش من مدن مثل الموصل وتكريت والرمادي والفلوجة.وإذا كان بالإمكان إعادة بناء الجيش العراقي بدعم سياسي كردي وعربي سني وشيعي، وإذا تمكنت وزارة الدفاع تحت قيادة جيدة من إرشاد مبادرة «الحرس الوطني»، فقد يشهد العام المقبل انتصارات جديدة للجيش في الموصل. وهذه العمليات الناجحة ستفيد البلاد أكثر بكثير من انتصارات تسجلها فقط ميليشيات شيعية أو انتفاضات سنية محلية منفصلة، يمكن لأي منها أن تزيد حالة الانقسام بالعراق.* مايكل نايتس | Michael Knights
مقالات
ليحتفل الجيش العراقي بيومه
11-01-2015