يوماً بعد يوم وإجراء بعد إجراء يثبت لنا أن الحديث عن التنمية في الكويت ما هو إلا مجرد وهم وكذبة كبرى تسوقها الحكومة علينا في حين أن الواقع يسير بالاتجاه المعاكس تماما، وآخر هذه الإجراءات إقرار عطلة خمسة أيام، وهي في الواقع تسعة أيام، إذا حسبنا عطلتي نهاية الأسبوع التي تسبق وتعقب هذه العطلة، وأتى هذا القرار رغم توصية ديوان الخدمة المدنية بعدم منح يومي الأربعاء والخميس كيومي عطلة يضافان لعطلة عيد الأضحى الأصلية!
تسعة أيام والدولة مشلولة، فالبنوك معطلة مما يؤثر في حركة التجارة داخليا وخارجيا، والعيادات الطبية معظمها توقفت مما يؤثر في صحة الناس وتراكم الدور المتضخم أصلا على بعض الفحوص والأشعات التخصصية، والمحاكم توقفت وهي التي تعج بالكثير من القضايا المؤجلة نظراً لكثرتها، والمدارس توقفت بعد أسبوعين فقط من بدايتها، أي بعد أن بدأ الطلاب بالدخول في أجواء الدراسة بعد عطلة الصيف الطويلة، مما يعني تضييع المزيد من الوقت في محاولة إدخالهم بالجو الدراسي مرة أخرى بعد انقضاء العطلة، هذا مع ملاحظة أن عطلة المدارس بدأت مبكرا بعد أن تعمد الطلاب وأولياء أمورهم التغيب قبل يومين من العطلة، وهو أمر اعتدنا عليه لأنه دائما يمر دون عقاب ولا حزم من وزارة التربية.المهم أن كل هذه الأمور تحدث بسبب عيد يخص الحجاج بالدرجة الأولى ولا يخص جميع الناس كما هي الحال مع عيد الفطر!حتى لو كان هناك مبرر لإقرار مثل هذه العطلة الطويلة، فليت أن الدولة قد سهلت مسبقا أمور الناس الحياتية حتى لا يحسوا بأثر هذه العطلة السلبي عليهم، وليت أن معاملاتهم تقضى بسهولة ويسر دون المرور بألف إجراء وألف توقيف واعتياد سماع عبارة (تعال باجر) عند مراجعة الوزارات! وليت أن من يريد فتح رخصة تجارية يستطيع فعل ذلك عن طريق الإيميل وهو جالس في بيته وخلال يوم واحد فقط كما هي الحال في سنغافورة، بدلا من قضاء أسابيع في دهاليز وزارة التجارة أو دفع مبالغ لمخلصي المعاملات حتى يضمن إصدار رخصته التجارية خلال أيام وربما عن طريق الرشوة! وليت أن البلد مليء بالمنتجعات ومدن الملاهي الجديدة، ومزدهر بالسياحة الداخلية بدلا من الاعتماد على مدينة ترفيهية أكل عليها الدهر وشرب، وعلى منتزه واحد يجب أن تحجز عنده قبل ستة أشهر من الموعد الذي تريده!عن أي تنمية نتحدث والحكومة وبكل سهولة تمنح هذه العطل الطويلة من غير معنى ولقطاع عام يعاني أصلاً البطالة المقنعة والتخلف وعدم الإنتاج؟ وكيف لنا أن نتطور ونخرج من وضعنا المزري والحكومة تشجع على الكسل والبطر والصرف دون أي مسؤولية فيما سعر برميل النفط في نزول مستمر (عساه ينزل أكثر حتى يستفيق الجميع من سباتهم العميق)؟! لقد بات واضحا أن الحكومة تتعمد إعطاء الناس المزيد من إبر التخدير لأنها عاجزة عن إدارة البلد وانتشاله من مشاكله الكثيرة، ولأنها تريد تحويل الأنظار عما يجري فيها من محسوبيات و"واسطات" لشراء الولاءات السياسية على حساب البلد، والمصيبة الكبرى أن شعب الله المخدر يفرح لمثل هذه القرارات لأنه تعود على عدم الإحساس بالمسؤولية، وهو أمر سيدفع ثمنه غاليا يوما ما.
مقالات
بلد المليون عطلة
16-10-2014