فعلت شيئاً صحيحاً
نجحت مرات في تحرير طلال وفشلت أخريات من خلال تلقينه، ولكن اليوم، بعد أن مرت السنوات فاستوى فتىً يافعاً رائعاً، أرى نتاج هذه المرات القليلة التي تخليت فيها عن أنانيتي، أرى حصيلة إيماني بحرية العقل، وجلال التساؤل، وكمال الشك، وروعة البحث.
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
سمعت نصف حديثه، وأخذني غروري وانبهاري في نصفه الآخر. مع طلال، ابني البكر، الموضوع كان تجربة ونتيجة، خطأ وتصحيح، كان هو أول محاولة تشكيل فكر وحياة بشر آخر، وددت حمايته دوماً، واستغرقني شعور الأم الأناني بتسييره على ما أعتقد وتشكيله على ما أريد، قبضت على نفسي مرات عدة وأنا ألقنه أفكاري وأملأ صفحة عقله البيضاء بإيمانياتي، فأتراجع وأذكر نفسي بضرورة أن يحيا طلال بحرية، أن يفكر بتجرد، وأن يكتب هو صفحة حياته بنفسه. نجحت مرات في تحريره وفشلت أخريات من خلال تلقينه، ولكن اليوم، بعد أن مرت السنوات فاستوى فتىً يافعاً رائعاً، أرى نتاج هذه المرات القليلة التي تخليت فيها عن أنانيتي، أرى حصيلة إيماني بحرية العقل، وجلال التساؤل، وكمال الشك، وروعة البحث. كان هو يتحدث وأنا أسر في قلبي، أيتها الدنيا وأيها القدر، لا تحرماه أبداً هذا الانبهار الغض وهذه التساؤلات الطازجة، لا توصلاه أبداً إلى أجوبة نهائية ويقينيات خالصة، وليبقَ عمره كله متوهجاً ثائراً كما أراه الآن، يثيره اتساع السماء وسكون الكون ولمعان النجوم، يرافقه فضوله وتساؤلاته، يستنهضه خياله، يعيش ليفكر ويتساءل ويتشكك، فتبقى أبواب الخيال مفتوحة، فلا ينتهي عالمه الغريب السحري أبداً ولا ينضب استغرابه به وانبهاره بعجائبه مطلقاً.طلال حر طليق، يفكر كما يشاء ويسأل كما يشاء، أتعلم أنا من أحاديثه وتساؤلاته، أتشبب بانبهاره وانفعاله، وأهنئ نفسي، غروراً وسروراً، على شيء رائع استكمل بدره في حياتي: طلال نجاحي الأكبر وإنجازي الأهم.