يا لها من لحظات تاريخية فارقة يعيشها العرب اليوم، فطوال القرن الماضي عاشت أقطار الأمة العربية وشعوبها تكافح، من أجل الاستقلال والتخلص من الاستعمار والهيمنة الأجنبية، ابتداء من الحكم العثماني، إلى الاحتلال الأوروبي، بعد الحرب العالمية الأولى، ثم السيطرة الأميركية، بعد الحرب العالمية الثانية... وكانت المطالب، آنذاك، التخلص من النفوذ الأجنبي بكل أشكاله، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، بما فيه تحرير النفط من قبضة الشركات الأجنبية.

Ad

 تغيرت الظروف والمعطيات، وعدنا اليوم إلى أحضان "ماما أميركا"، نطلب منها مواقف جادة وحازمة لمعالجة قضايانا.

فقبل اتفاق دول "5+1" مع إيران، حول برنامجها النووي، كانت مخاوف دول الخليج العربية تكمن في امتلاك إيران سلاحاً نووياً، فهو سيف مرعب ومصلت على رقابها.

وبعد اتفاق من شأنه، إذا تم التوصل إلى توقيعه في يونيو المقبل، أن يقيد قدرة إيران في الوصول إلى امتلاك السلاح النووي.

إلا أن ذلك لم يطمئن قادة دول الخليج، حيث برزت فوق السطح مخاوف أخطر من السلاح النووي، تتمثل بسياسة إيران، من تمدد نفوذها إلى الأقطار العربية، وهذا لا يعني أنها لم تكن موجودة، لكنها الآن ظهرت بشكل حاد فوق السطح، بعد التطورات الجارية في سورية والعراق واليمن ولبنان. وما يزيد من هذه المخاوف اشتعالا، تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين الاستفزازية المتواترة... مرة "بغداد عاصمة الإمبراطورية الإيرانية"، ومرة "الهلال الشيعي" في أربع عواصم عربية، مصحوبة بتهديدات مبطنة.

مصدر القلق

مخاوف دول الخليج بعد الاتفاق، هي أنه مقابل تقييد برنامج إيران النووي، لضمان عدم إنتاج قنبلة نووية، هو رفع العقوبات، وهذا يؤدي إلى تحرير الأموال التي كانت محجوزة، إضافة إلى الأموال التي ستأتي من زيادة صادراتها النفطية، ما سيعزز من قدرتها على توسيع نفوذها في المنطقة العربية، وزيادة حدة الصراع والأزمات في الإقليم العربي، كما هي الحال في أكثر من بلد عربي.

 وقد عبر عن ذلك بعض الكتاب، فإذا كانت إيران مصدراً للقلاقل داخل قفص العقوبات، فإنها خارجه ستصبح وحشاً مدمراً، وقد أدى ذلك إلى تحول في العلاقات مع أميركا، من عتب إلى "زعل" وغضب واتهام لها، بأنها باعت العرب، بشراء رضا إيران، بغض النظر عن سياساتها التوسعية.

ومما زاد من "زعل" وغضب حكام الخليج، ما جاء في تصريح أوباما في مقابلته مع توماس فريدمان عن شكوى العرب، فإن أميركا ضامنة لدول الخليج في مواجهة أي عدوان خارجي، وبأن تقصير أميركا تجاه المجازر في سورية، قال: لماذا لا يفعل العرب شيئاً كتزويد الثوار بالسلاح وتدريبهم؟ وزاد: الأخطار الحقيقية ليست من الخارج، فهذا نحن نتكفل به، لكن الأخطار قد تكون من الداخل، ما يوجب اتخاذ إجراءات تطمئن الأجيال الشابة بالحصول على فرص عمل، وبدور لهم في تحديد مصير أوطانهم.  

ومع ارتفاع حدة الغضب، دعا أوباما حكام الخليج إلى كامب ديفيد... ورغم ما فسر بأن غياب بعض القادة كان توبيخاً أو صفعة له، فإنه تجاوزها، وكما يبدو، فقد كان اجتماعاً ناجحاً، أكد فيه أوباما أن ما سبق أن قاله وكرره العديد من المسؤولين الأميركيين، بأن أميركا تتعهد بالدفاع في حال تعرضها لأي عدوان خارجي، وكما جاء في جريدة نيويورك تايمز، حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة العسكرية، ولكنه رفض أن يكون هذا التعهد بصيغة اتفاقية، بمستوى اتفاقية حلف الأطلسي، فذلك يتطلب إجراءات معقدة، قد تكون معوقة، خصوصاً في وجود أغلبية بالكونغرس موالية لإسرائيل.

كما تعهد بتزويد دول الخليج بالأسلحة، وربما بحث موضوع المظلة الواقية من الصواريخ، كما أبدى استعداده للتشاور في ما يمكن عمله لمواجهة أنشطة إيران التوسعية المقلقة، بما في ذلك معالجة الوضع السوري.

نظرية أوباما

وبالنسبة إلى اتفاق إيران النووي، قال أوباما إنني مسرور بأننا توصلنا إلى اتفاق ناجح بشأن البرنامج، وإذا ما أمكن التوصل إلى اتفاق نهائي، فإن ذلك سيكون في صالح الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط والمجتمع العالمي.

وبطرح أوباما نظرته، بأن الخيار في هذا الشأن هو؛ إما استخدام القوة بتدمير مواقع الأنشطة النووية، وهو ما قد يعطل أو يؤجل وصول إيران لامتلاك سلاح نووي، لكنه لا يلغيه، لأنها تمتلك المعرفة، ويرى في مصلحة العرب أن يكون الاتفاق المقترح هو أفضل الحلول الممكنة.

أما بالنسبة لفكرة أن الاتفاق الذي يؤدي إلى إلغاء العقوبات، وبالتالي زيادة قدرة إيران على مزيد من التوسع في الإقليم العربي، يقول الكاتب الصحافي روجر كوهن، الذي حضر المؤتمر الإعلامي في دبي، واستمع إلى شكوى العرب، إن أنشطة إيران في تمدد نفوذها كانت ومازالت قائمة وفي ازدياد، على الرغم من وجود العقوبات، والخيار الأفضل لمصلحة العرب هو أن تكون إيران مقيدة باتفاقية مع القوى الدولية، وتتاح لها الفرصة، بالانتفاع من تعاون اقتصادي إقليمي، ودفع شبابها نحو الإصلاح، بدلا من بقاء الوضع القائم، الذي يترك إيران بلا قيود، والاستمرار في سياستها التي تثير قلق العرب.

ويضيف كوهن، أن إيران فيها طرفان متنازعان في توجيه السياسة؛ طرف متشدد من أمثال: سليماني والجعفري والحرس الثوري وفيلق القدس، وهناك جناح المعتدلين، أمثال: روحاني وخاتمي ورفسنجاني، وهو الجناح الذي كسب الانتخابات، بناء على طرح برنامج للتنمية والاستقرار والعودة إلى علاقات مع المجتمع الدولي، وهو يرى أنه من الأفضل للعرب المراهنة على نجاح الجانب الذي يمكن أن يستفيد من الاتفاق النووي.

وأشاد أوباما في تصريحه، بعد اجتماع قمة كامب ديفيد، بأنه ليس المطلوب استعداء إيران، أو تهميشها.

مأزق

إن المأزق الذي يواجه العرب وأميركا، هو أن الخيارات محدودة، فاستخدام القوة لن يجدي، فالتمدد الإيراني تضخم في العراق، رغم وجود الأميركان 10 سنوات مند 2003.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأميركيين بعد مغامرات أفغانستان والعراق غير متحمسين للدخول في نزاعات عسكرية، وهذا ما يجعل الخيارات محدودة أمام العرب في المأزق الذي هم فيه.