ضمن سلسلة «آفاق السينما» التي تصدرها بدأب تُحسد عليه الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر، صدر كتاب «الطريق إلى سينما 25 يناير» للناقد الرصين محمد بدر الدين، تقديم عميد نقاد السينما العربية سمير فريد، وكما هو واضح من كلمات الإهداء الذي ذهب إلى «فناني الثورة الذين شاهدناهم فأحببناهم أكثر في ميدان التحرير خلال الـ 18 يوماً المجيدة، من غير أن يعني ذلك بالضرورة وضع الآخرين في قوائم سوداء»، يُعلن الكاتب موقفه الموضوعي الذي يؤكده بقوله: «أما من لم يكذب وإن أخطأ... ومن لم يع ويُدرك، فلا لوم عليه ولا غضب منه»!

Ad

أول ما يمكن الإشارة إليه في الكتاب أن الناقد سمير فريد الذي لبى رغبة الكاتب في تقديم الكتاب، سجل أنه «لا يتفق مع رؤية المؤلف لتاريخ مصر بعد ثورة 1952» وبدا كأنه يبرر موافقته على تقديم الكتاب بقوله: «لكنه (أي المؤلف) من أكثر البشر الذين عرفتهم نبلاً وطهراً، ودائماً ما تؤلمني معاناته في عالم الصحافة وعالم السياسة، وهو الرومانتيكي الأصيل في عالمين لا مكان فيهما للرومانتيكية». أما الملحوظة الثانية فتتمثل في أن التوفيق خان المؤلف، وأسرة تحرير السلسلة، عندما اختير للغلاف صورة من فيلم «المتمردون»، بينما كان من الأحرى الاستعانة بصورة أحد الأفلام التي تنتمي إلى «سينما 25 يناير» إذا كانت ثمة سينما بهذا الاسم بالفعل!

يتكون كتاب «الطريق إلى سينما 25 يناير» من أربعة أبواب؛ أولها «ثورة السينما وسينما الثورة»، ثانيها «لقطات وزوايا»، ثالثها «نماذج من سينما 25 يناير». أما رابعها فيحمل اسم «أفلام على الطريق إلى ثورة 25 يناير ـ 30 يونيو».

في حين ينقسم الباب الأول إلى فصلين هما: «نهضة مصر وعودة الروح» و«سينما ما بين الثورتين»، يتكون الباب الثاني من أربعة فصول هي: «تأثير الثورة على التعبير السينمائي في عام»، «عندما يكون التسجيلي أفضل... وحظه أقل»، «بين الواقع والأفلام نهايات الحكام»، «في سينما الثورة المضادة»، فيما يضم الباب الثالث أربعة فصول هي: «اسمي ميدان التحرير... فيلم الثورة الممنوع»، «جمعة الرحيل... فيلم منى عراقي الأخذ عن الثورة»، «بعد الموقعة... رد اعتبار لـ رد قلبي» و«الشتا اللي فات» و«بعد الطوفان» الفرق بين مع وفي»، حتى نصل إلى الباب الرابع الذي يضم اثني عشر فصلاً.

من الإجحاف القول إنها فصول بل مقالات سبق للناقد كتابتها في مراحل زمنية مختلفة مثل: «عودة الابن الضال»، «طيور الظلام»، «ليلة سقوط بغداد»، «عمارة يعقوبيان»، «هي فوضى»، «حين ميسرة»، «دكان شحاتة»، «قص ولزق» و»عين شمس»، وبقدرة قادر تحول كل مقال إلى فصل في الباب الرابع، الذي لا يمكن القول إن ثمة علاقة بينه والكتاب، بعدما انحرف عن النهج المرسوم، وكان أقرب إلى محاولة يائسة وبائسة لإلصاقه بالعنوان الرئيس للكتاب، كما يحدث عندما يلوي كاتب السيناريو ذراع الدراما ليمرر وجهة نظر ما!

نقطة أخرى جديرة بالتوقف تتمثل بافتقار كتاب «الطريق إلى سينما 25 يناير» إلى التوثيق؛ إذ كان بمقدور كاتبه أن يقدم قائمة بالأفلام الروائية الطويلة والتسجيلية والقصيرة التي أنتجت أو عُرضت وتناولت ثورة 25 يناير، ولو فعل لكانت القائمة الأولى من نوعها، ولكانت الفرصة مؤاتية للتثبت من حقيقة إذا كانت ثمة «سينما 25 يناير» بالفعل أم مجرد اصطلاح صكه مؤلف الكتاب، الذي لم يجهد نفسه في الخروج من دائرة الأفلام التي أتاحت له الظروف مشاهدتها.

الأمر المؤكد أن تأثير ثورة 25 يناير على الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة لم يتوقف عند أفلام: «التحرير 2011»، «18 يوم»، «اسمي ميدان التحرير» و«جمعة الرحيل» أو الأفلام الروائية الطويلة، التي أطلق عليها الناقد «سينما التطفل على الثورة» مثل: «صرخة نملة» و«تك تك بوم» و«الفيل في المنديل»، واستثنى من هذه السينما المتطفلة، حسب تعبيره، أفلام المخرجين الذين أطلق عليهم «الأمناء الحريصون على الثورة» و«أبناء الثورة في الميدان»، وهو أول من يعلم أن الكل تساوى في تقديم الثورة من وجهة نظره الخاصة، ولم يرقَ فيلم لما جرى في الميدان، والأمثلة واضحة في الأفلام التي نوه إليها مثل: «بعد الموقعة»، «بعد الطوفان» و«الفاجومي».

في الأحوال كافة، لم أر مبرراً لأن يبدأ الناقد كتابه بإهداء إلى «فناني الثورة» ثم يختمه بإهداء مماثل يبدو لمن يقرأه أنه يدور حول المعنى نفسه!