بحسب علماء النفس المتخصصين بالأطفال، تُعتبر المرحلة التي تتراوح بين السادسة والثانية عشرة فترة حاسمة لتطوير تقدير الذات. كما أن الصورة الذاتية على المستويين الجسدي والعاطفي تغتني من الصورة الفكرية التي يحملها الفرد عن نفسه، إذ يتشجع الطفل في هذا العمر على التفكير وإطلاق الأحكام والتعاون.

Ad

درس عدد من الخبراء ظاهرة قلة تقدير الذات. هم يسلطون الضوء على أهمية التربية وحب الأهل لأنهما من العوامل الأساسية التي تمهد لظهور المشكلة. يُبنى تقدير الذات على الشعور بحب الآخرين منذ الولادة. وحين يحسّ الطفل بأنه محبوب في جميع الظروف، سيشعر بثقة عميقة بنفسه وبمستقبله وسيتمكن من استباق الأحداث والتخطيط للمشاريع.

بعيداً عن الحب الذي يتلقاه الطفل من المحيطين به، يُعتبر التقدير الذي يتبادله الوالدان عاملاً أساسياً في هذا المجال أيضاً. لذا يجب أن تخلو العلاقة الزوجية من الازدراء والتعليقات السلبية حول ذكاء أحد الطرفين أو قدراته الفكرية مثلاً. يتفاعل الطفل مع نموذج معين في محيطه، وقد تنشأ هشاشة معينة في شخصيته في ظل غياب الاحترام والتقدير بين والديه، ولا سيما عند سماع الانتقادات المزعجة التي تحصل بشكل عام خلال نوبات الغضب والعصبية.

• ثقة في طور البناء

لبناء الثقة بالنفس لدى الأولاد، يجب تبني السلوك المناسب لمساعدتهم على تحقيق الهدف المنشود: توخي الحذر الدائم من دون التطفل على حياة الطفل، تشجيعه من دون فرض الضغوط عليه، مساعدته في الظروف المناسبة... إنها مقاربة ضرورية كي يشعر الأولاد بالثقة وينطلقوا في الحياة من جهة، وكي يفخر الراشدون بخياراتهم التربوية ويشاهدوا أولادهم وهم يكبرون بكل هدوء من جهة أخرى.

• التنبه إلى المؤشرات التحذيرية

يمكن أن تنجم قلة الثقة أو فقدان تقدير الذات لدى الأولاد عن حدث مؤثر مثل دخول مرحلة جديدة من الدراسة أو بدء مرحلة المراهقة... يمكن أن يتنبه الأهل إلى وجود أي مشكلة عبر مؤشرات مختلفة، كأن يعجز الطفل عن تقييم نفسه بطريقة صحيحة أو أن يواجه نوبات قلق أو غضب. يكون هذا الطفل معقّداً على مستويات عدة ويسيء تقدير قيمته الذاتية، فيشعر بالفوقية أو الدونية ولا يجيد تقييم قدراته. يجب التأكد من عدم اختلال ثقته بنفسه، إذ تُبنى هذه الثقة خلال الأشهر الأولى من الحياة ويتطلب ترسيخها عملاً شاقاً وعميقاً.

• تعليم أفضل طريقة لتقييم الذات

يجب أن يعلّم الأهل أولادهم كيفية تقييم أنفسهم. الطفل هو متعلّم أبدي وهو يخوض تجارب كثيرة. قد يقوم بخطوات خطيرة مثل وضع يده في قابس كهربائي. في هذه الحالة، لا نفع من الصراخ، بل يجب أن يتعامل الأهل معه بصرامة ويمنعوه من تكرار عمل مماثل. يتعلم الطفل أموراً جديدة طوال الوقت. خلال هذه المرحلة، يجب أن يكون الأهل حاضرين كي يعرّفوه على الخير والشر. يمكن استعمال عبارات إيجابية مثل "أنا مسرور لأنك نلت علامة جيدة بعد أن درست باجتهاد”؛ والعكس صحيح إذا نال علامة سيئة: "لست مسروراً لأنني لم أشاهدك تدرس!”.

هكذا يعرف الطفل ما يجب فعله مستقبلاً. لكن إذا قلنا له "علامتك سيئة، أنت طفل سيئ وفاشل”، سنستهدف بذلك ثقته بنفسه مباشرةً. بالطريقة نفسها، يحتاج الطفل الذي يتعلم ركوب الدراجة أحياناً إلى سماع عبارات مثل: "أعلم أنك خائف، لكني واثق من نجاحك”. لكن إذا شكك الأهل بقدرات ابنهم، سينعكس موقفهم سلباً عليه. لن يركب الطفل بسهولة على الدراجة في هذه الحالة. يوافق الطفل في العادة على ركوب الدراجة لأنه يثق بأهله. وإذا وقع عن الدراجة، سيسارع أهله دوماً إلى مساعدته وتصحيح الوضع.

•  معلومة مفيدة

في بعض الحالات، قد لا تكون "النصائح المفيدة” والرسائل المطمئنة كافية لمساعدة الأولاد (لا سيما في مرحلة المراهقة) على تجاوز مخاوفهم في الحياة اليومية وتخطي مظاهر القلق والعدائية والخوف من الوحدة والغيرة وحتى قلة الثقة بالنفس. يجب التركيز في المقام الأول على عاملَي الإصغاء والحوار للحفاظ على تواصل سليم مع الأولاد.

• عوامل يجب أن يتنبه لها الأهل

لا تتعلق الثقة بالنفس بقوة الإرادة. يجب تجنب الملاحظات التي يمكن أن تولّد شعوراً بالذنب لدى الطفل. لا نفع مثلاً من قول عبارات مثل "من الضروري أن تشارك في الصف. حين كنت في عمرك، كنت أول من يرفع يده للمشاركة!” أو "لا تبقَ خجولاً لهذه الدرجة! انظر إلى شقيقك، هو لا يخاف من شيء!”. تعطي هذه الكلمات أثراً معاكساً للهدف المنشود: حين نلمح إلى أن الطفل ليس على مستوى تطلعاتنا وأنه أقل براعة من أفراد العائلة الآخرين، قد يضعف حبه لنفسه مع أن الهدف الفعلي هو ترسيخ ذلك الحب الذاتي وتعزيز الثقة بالنفس.

لهذا السبب أيضاً، يجب تجنب المواقف التي يسمع خلالها الطفل نقاشات بين الراشدين: قد تكون العواقب وخيمة إذا سمع كلمات سلبية عنه عن طريق الخطأ، لا سيما إذا حصل ذلك في سن مبكرة جداً، لأن الأطفال في هذا العمر يهتمون كثيراً بصورتهم وتكون شخصيتهم في طور النمو خلال هذه المرحلة أيضاً. لذا يُعتبر رأي الراشدين، ولا سيما الأهل، عاملاً حاسماً كي يكوّنوا رأياً عن نفسهم.

يمكن أن تضعف ثقة الطفل بنفسه عند رفع سقف التوقعات المنتظرة منه أو مطالبته بأمور تتجاوز قدراته. ينطبق ذلك على جميع المجالات: في المنزل حين نحمّل الطفل مسؤوليات مفرطة، أو في مجال الرياضة حين ننتظر منه أن يحقق المراتب الأولى دوماً. لكن يظهر الأثر الأكبر في المدرسة حيث يكون ضغط الأهل في أعلى مستوياته. من الضروري أن نشجع الطفل في مختلف الجهود التي يبذلها، لكن قد تشكّل التوقعات المرتفعة التي ننتظرها منه عقبات أمام نموه السليم: خوفاً من الفشل، قد لا يجرؤ الطفل على تسخير جميع قدراته في دراسته. لذا يجب أن يفهم هذا الطفل أن الحب الذي يحمله له والداه ليس مشروطاً ولا يتوقف على علاماته في المدرسة والنتائج التي يحققها.

رابط حذر

أخيراً، يجب أن يحرص الأهالي على إنشاء رابط حذر ووثيق مع أولادهم تزامناً مع تشجيعهم على الاستفادة من الأخطاء التي ارتكبوها لتحسين أدائهم في مختلف المجالات في المرة المقبلة. يجب أن يفهم الطفل إذاً احتمال تصحيح الأخطاء دوماً وأن يدرك أن اكتشاف مختلف جوانب الحياة يمر بالتجارب والأخطاء والتعديلات وتغيير المواقف.

يجب أن يثبت له أهله أيضاً أنهم يخطئون بدورهم ويجيدون طلب السماح عند الضرورة. الأهل هم أفضل نموذج بالنسبة إلى أولادهم. حين يعرف الطفل أنه يملك الحق بأن يخطئ وأنّ الأخطاء ليست نهاية العالم، سيرغب في خوض تجارب كثيرة ومتنوعة وسيثابر بسهولة أكبر على بذل الجهود اللازمة لتحقيق ما يريده. هذه هي الركيزة السليمة لاكتساب تقدير الذات بالمستوى اللازم وبناء الثقة بالنفس من دون عقبات.