مأساة الجندي اللبناني علي البزال، الذي قتلته جبهة النصرة السورية الأسبوع الماضي، تعيد لبنان وأحواله المأساوية المتكررة مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، ذلك البلد الصغير الذي لم يعرف الهدوء والسكينة والبعد عن الحروب والمواجهات الأهلية منذ استقلاله في أربعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، فذلك البلد الذي تخدع مكونات صورته بالخضرة وجمال الطبيعة والجبال والشواطئ والصبايا الفاتنات والفنون ونعم المولى من طيب المأكل والمشرب، يخفي وراء تلك اللوحة الباهرة الفاتنة أنهاراً من الدم والفظائع والفتن، والجدل العقيم العبثي دون طائل ولا فائدة.

Ad

بلاشك أن متابعة أحوال عائلة الجندي البزال بعد استشهاده تفطر القلب، كما هي أحوال أسر الآلاف الذين قتلوا في حروب لبنان العديدة بين فصائله وطوائفه وأحزابه وأعدائه الخارجين والداخلين والعملاء والمندسين وتفجيرات مواكب زعمائه واغتيال سياسييه وتفجير كنائسه ومساجده وتجمعاته المختلفة، فتلك البقعة التي تسمى لبنان مليئة بجميع أصناف وأدوات الاقتتال، وذلك البلد مقسم ومتصادم بين كل تكويناته وعناصره، ورغم ذلك يريد أن يقرر مصير أمته في كل مرحلة سابقة ولاحقة من تاريخه دون أن يدفع ثمن ذلك إلى ما لا نهاية!

اللبنانيون أو بعضهم يريدون أن يحرروا القدس - كما يدعون - دون اعتبار لما تقوله القاهرة أو الرياض أو الرباط، وبحسب توقيت يحدده حزب طائفي محلي لديهم! واللبنانيون أيضاً أو جزء منهم دخلوا سورية ليفعلوا بها الأعاجيب من أقصاها إلى أقصاها، ولا يمكننا أن ننسى ما فعله حزب الله في حمص والقصير وعشرات المدن والقرى السورية الأخرى، ولولاه لسقط النظام السوري في بضعة أشهر، ولكانت سورية وشعبها اليوم في موقع آخر، ففي الشهور الأولى من الثورة السورية لم يستطع أحد أن يسعف نظام الأسد، الذي كانت سلطته تتهاوى وينشق عن جيشه الآلاف من جنوده الذين يرفضون أن يوجهوا بنادقهم إلى صدور شعبهم، وقبل أن تتمكن طهران من تدبير طريق لإرسال الرجال والعتاد انطلق مخلب القط اللبناني ليقوم بالمهمة المطلوبة في سورية.

لبنان الصغير تنتشر عدواه الفتنوية الطائفية كالنار في الهشيم، فالعراق تم تعميم النموذج اللبناني فيه، وعلى الطريق اليمن وسورية، والبحرين كذلك تواجه ذلك التحدي، وأيادي طائفة من اللبنانيين تتلاعب بكل مكان تنطلق فيه الفتنة، فإرهابيو البحرين تدربوا في لبنان، وتنسيق عمليات التفجير الإرهابية في سيناء كان بأيادي قياديين من حزب الله اللبناني قبض عليهم في مصر، ولكنهم تمكنوا من الفرار خلال ثورة 25 يناير، ومن أسسوا الجناح العسكري لحزب الله العراقي والميليشيات العراقية هم قياديون من حزب الله اللبناني.

في كل مكان تجد فيه شرارة الفتنة والمواجهة إقليمياً تجد بصمة لبنانية، أخطرها هي بصمته في المأساة السورية التي لن تمحى مدى الدهر، والمحزن أن باقي مكونات لبنان وطوائفه استسلمت وأتت صاغرة لتتفاوض مع حزب الله، وأقرت بأنه المهيمن والمدير للشأن العام، والجيش اللبناني ينفذ توجهاته ويحمي طرق مواصلاته إلى الداخل السوري، بل إن الدولة اللبنانية تحتجز نساء وأطفالاً لا ذنب لهم إلا أنهم أقارب لمطلوبين، في مخالفة لمبدأ إنساني دولي هو أن العقوبة والإدانة شخصية لمرتكب الجريمة دون سواه من أهله ومعارفه.

الخلاصة أن لبنان الصغير يريد أن يقرر مصير أمته بطريقة حاكمه الفعلي (حزب الله وراعيه)، وجمهور ذلك الحزب ممن يقدمون له الرجال الذين يحملون السلاح ويفتدونه، ويقومون بالمهمات التي تطلب منهم من قبله، يجب أن يعلموا أن لذلك ثمناً في منطقتهم سيكون ضخماً ومكلفاً مهما طال الزمن، حتى ولو كان العم سام اليوم يشجعهم ويحميهم من خلف الستار لأغراضه الآنية في المنطقة، ولكن عندما تنتهي المهمة فإنه وحتى راعيهم الإقليمي سيتركهم لمصيرهم ولجردة الحساب مع كل من ظلموهم وارتكبوا بحقهم الجرائم، وللأسف فإن كل طوائف ومكونات لبنان الأخرى التي سكتت عما يقترفه شريكهم في الوطن ضد أبناء هذا الإقليم سيعانون كثيراً نتيجة ذلك.