تقرير اقتصادي: أزمة القطاع النفطي... بين السيئ والأكثر سوءاً والأسوأ
• عقلية «الفريج» لا تصلح لإدارة مشاكل الدولة
• نتغافل عن تحديات كبرى لننشغل بما يسهل حله
• نتغافل عن تحديات كبرى لننشغل بما يسهل حله
عندما نقول إن اقتصاد الكويت أحادي، فإننا نتحدث عن النفط بكل تأكيد، فإذا كان هذا هو التعاطي الحكومي مع أهم قطاع في الكويت الذي يرتبط بالإنفاق في كل مناحي الحياة لدينا، من المشاريع إلى الرواتب، فكيف سيكون الأمر مع القضايا والتحديات الأخرى؟
تعاظمت الأزمة التي يواجهها القطاع النفطي، ولم يعد بالإمكان إخفاؤها أو تجاوزها إلى درجة أن السوء داخل هذا القطاع بات موزعاً على درجات يمكن تصنيفها بالسيئ والأكثر سوءاً والأسوأ!فالسيئ، يتمثل في أزمة تعيينات أعضاء مجالس إدارات الشركات النفطية والتي فجرت الخلاف داخل مجلس إدارة مؤسسة البترول بين الوزير علي العمير من جهة، وأعضاء مجلس الإدارة وبقية القيادات النفطية من جهة أخرى، ومع أنه كان يفترض منذ البداية اللجوء إلى الأسلوب المعتمد داخل المؤسسة، أي الاعتماد على آلية التعيين المتبعة لدى القطاع منذ سنوات وتتمثل في تحديد لجنة من ذوي الخبرة والكفاءة لاختيار من يشغل المناصب القيادية في النفط بعيداً على المحسوبية والواسطة، فإن الأزمة تعمقت إلى درجة جعلت مراسلات الوزير والرئيس التنفيذي، والتي لا تخلو من التحدي، متاحة كأسلحة في معركة إعلامية و»تويترية» للمرة الأولى في القطاع النفطي بهذا الشكل.والأكثر سوءاً، هو التعامل الحكومي مع أزمة القطاع النفطي، الذي يعبر عن عقلية «إدارة الفريج» أكثر من كونها إدارة للدولة، حيث لا تستهدف الحكومة حل أزمة القطاع النفطي، فضلاً عن تنميته أو تطويره، فجل ما تحرص عليه الحكومة في تعاملها مع هذه الأزمة هو «ألا يزعل أحد» حتى إن كان ذلك على حساب الإنجاز والعمل، فهي لا تريد خسارة أي طرف من طرفي النزاع، لا الوزير السياسي ولا مجلس الإدارة الفني، وهو ما دعاها إلى زيادة عدد مقاعد مجلس إدارة المؤسسة من 9 إلى 16 عضواً وكأن الأزمة في عدد المقاعد! ناهيك عن أنها لم تبادر أصلاً بالدعوة إلى اجتماع المجلس الأعلى للبترول الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء الغائب منذ نهاية العام الماضي عن التفاعل مع أي قضية تمس القطاع النفطي لا سيما أزمة التعيينات الأخيرة.غياب تام أما الأسوأ، فيتمثل في أننا غائبون تماماً عن القضايا الأساسية التي يعانيها القطاع النفطي، فالانشغال بأزمة التعيينات يأتي في وقت تحتدم فيه حرب الأسعار في أسواق النفط العالمية، وتسعى بعض الدول المصدرة إلى تسعير عقودها النفطية بأسعار أقل من سعر السوق بـ 5 دولارات فضلاً عن بحث المستهلكين عن أسواق جديدة وعقود فورية، ولعلنا نذكر في هذا الشهر تحديداً أن الهند قللت استيرادها من النفط الكويتي بمقدار النصف إلى 100 ألف برميل يومياً، لتعوضها من أسواق غرب إفريقيا.ولا يتوقف الأسوأ في القطاع النفطي عند حرب الأسعار بل يتعداها إلى قضايا متنوعة عديدة تتطلب أن تكون هي أصل الاهتمام والتحدي وليس غيرها من القضايا، فمثلاً لدينا ضعف في إنتاج النفط، وهي قضية مرتبطة بقضايا فنية وأخرى سياسية، ومشاريع تطوير كبرى للمصافي ومشاريع تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار، إلى جانب شراكات خارجية متعسرة تحتاج جهداً أكبر لترى النور، ناهيك عن تحديات أخرى مستقبلية تتمثل في مشاريع النفط الصخري واقتطاعه حصة النفط التقليدي في السوق العالمي، ومجمل ذلك يتطلب اهتماماً خاصاً بالقطاع النفطي ومشاكله الحقيقية، وليس الانشغال بقضايا يمكن حسمها سريعاً فقط لو توفرت الرغبة بذلك.اقتصاد أحاديعندما نقول إن اقتصاد الكويت أحادي فإننا نتحدث عن النفط بكل تأكيد، فإذا كان هذا هو التعاطي الحكومي مع أهم قطاع في الكويت الذي يرتبط بالانفاق على كل مناحي الحياة لدينا من المشاريع إلى الرواتب، فكيف سيكون الأمر مع القضايا والتحديات الأخرى؟ وكيف سيكون التعاطي مع ملفات العجز المالي أو تحديات سوق العمل وغيرها الكثير؟فما نعيشه اليوم هو تحدٍّ نفطي يتطلب الإسراع في تجاوز القضايا غير المهمة، التي لا تنمو إلا في ظل سياسات حكومية مترددة وضعيفة، إلى التحديات الحقيقية لأن القطاع النفطي، وهو المصدر الأساسي للحياة في الكويت، وفي ظل أزمة أسعار عالمية يجب ألا نخلق أزماتنا المحلية، فيكفي أن تقلبات أسعار النفط لدولة لا تعرف غيره مصدراً في إنفاقها الباهظ، ما يستوجب البدء بإجراءات إصلاح مالي فعلية على الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة، وأقل إجراء اليوم هو منع أن يكون القطاع النفطي ساحة لصراعات أو تصفيات أو حتى رهان على الوقت لتجاوز الخلافات بينما هي تكبر يوماً تلو الآخر.ما تحتاج إليه الكويت هو أن يولي مجلس الوزراء الاقتصاد وتحدياته اهتماماً أكبر بكثير من الوضع الحالي، ولا يوجد اليوم أهم من قطاع النفط واستقرار أدائه وعدم التحيز إلى طرف ضد آخر، بل اعتماد معايير مهنية في التعيين دون محاباة لأحد والابتعاد عن عقلية «لا يزعل أحد» لأنها لا تزيد الأمور إلا تدهوراً، فالتحديات النفطية داخل الكويت أو خارجها أكبر بكثير من أن نتعامل معها بخفة أو تهاون أو قصر نظر.