في عام 2008 نشرت محتوى هذا المقال ردا على رفض التيار السلفي في مجلس الأمة مناصرة حقوق البدون، واليوم لا يختلف رأي التيار الذي لا أعرف اسمه في المجلس، كما لم يختلف رأي التيار القبلي، ولن يختلف رأي أي تيار آخر في قضية البدون عن رأي التيار السلفي. 

Ad

ضلّت إحدى السفن طريقها في المحيط ونفد ماء الشرب من بحّارتها لأيام، ومن بعيد شاهدت السفينة سفينة صديقة فرفعت إشارة استغاثة تقول "ماء، إن العطش يقتلنا"، فرد قبطان السفينة الصديقة بإشارة تقول "إلقِ بدلوك حيث أنت"، لكن السفينة لم تفهم الإشارة فرفعت مرة أخرى نفس الإشارة "إننا نموت من العطش"، لكن الجواب كان هو نفسه "إلقِ بدلوك حيث أنت".

وبعد أن تكررت الاستغاثة والاستجابة، انتبه قبطان السفينة، وألقى دلوه ليجد الماء عذبا، كانت السفينة قد دخلت فم نهر الأمازون من دون أن يدرك قبطانها ذلك. هذه الحكاية استخدمها المفكر "بوكر ت. واشنطن" عام 1901 في محاضرة مشابهة لما أريده هنا.

كان الرجل في ذلك التاريخ يخاطب الأميركي الأبيض لكي ينتبه إلى هؤلاء المهمشين من السود، وسأقتبس منه سطراً لا أزيد "ألقوا بدلوكم بين أفراد شعبنا، علّموا عقولهم وأيديهم وقلوبهم لتخضر حقولكم وتعمل مصانعكم ويزدهر مستقبلكم، بفعلكم هذا ستجدون حولكم أناسا محبين مؤمنين ومطيعين للقانون".

لولا هذا الرجل الذي سميت الفترة من 1895 حتى 1915 وهو تاريخ وفاته بعصر بوكر واشنطن، لما استطاع بعد قرن من الزمان باراك حسين أوباما أن يضع قدمه خطوة أقل على عتبة البيت الأبيض ويختار رجلا أبيض نائبا له ليقود أمة تقود العالم.

والآن أقول لكم، لقد أضعتم الكثير من العقول الجميلة ومن رجالكم المخلصين. عقول أنتم رعيتموها وأنفقتم عليها وتذكر لكم جميلكم ولا تجد طريقا كي ترد هذا الجميل، أناس لم يعد لهم من طموح سوى العمل الكريم والمعاملة الطيبة. أعرف وتعرفون أنكم خلال نصف القرن الذي قاسموكم به ملحكم وخبزكم لم تجدوا منهم إلا الإخلاص في العمل والتفاني في الخدمة والحرص على مقومات الدولة.

الآن أقول لكم: لا تفرطوا في طبيب ومهندس ومدرس وجندي وعامل ومزارع من نسيجكم، اختلطت دماؤه بدمائكم وعاش سرّاءكم وضرّاءكم، صاهركم وصارهتموه لتستوردوا طبيبا ومهندسا وجنديا وعاملا ومزارعا من غير نسيجكم لن يبقى لكم ولن تبقوا له مهما كانت الحسبة الاقتصادية، لقد زرعتم ليحصد غيركم وأنفقتم ليجني سواكم.

المحاولة التي تقوم بها اليوم حملة "مسار" لمساعدة شباب البدون من خريجي الثانوية العامة في إكمال تعليمهم واكتساب خبرات عملية لمواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها أبناء هذه الفئة هي محاولة موفقة وناجحة إذا كرس لها القطاع الخاص جهدا موازيا وقبولا لهذه العقول والأيدي. حملة "مسار" التي ينادي بها الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي تحتاج دعما مضاعفا من أصحاب رأس المال والمؤسسات الاقتصادية. هذه خطوة نحو الطريق الصحيح لخلق إنسان يجد الفرصة لكسب عيشه بشرف بعيدا عن الموقف الرسمي للقضية، والذي أتوقع أن أعيد كتابة ذات المقال بعد سبع سنوات أخرى، إذا سمحت الحياة، دون أن تحرك ساكنا.

* من مقال نشر عام 2008 بتصرف.