دخلت المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" أمس مرحلة جديدة مع شروع الولايات المتحدة وحلفائها في ضرب معاقل التنظيم المعروف باسم "داعش" في سورية للمرة الأولى في هجوم شاركت فيه دول عربية وخليجية وشمل أيضاً مواقع لـ"جبهة النصرة" الموالية لتنظيم القاعدة ومجموعة "خراسان"، التي تلاحقها واشنطن وتتهمها بالتخطيط لشن هجمات مباشرة ضدها.

Ad

بعد ساعات من دعوته لأنصاره المتطرفين إلى قتل مدنيي الدول المشاركة في الحرب ضده، تلقى تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف بـ»داعش» ليل الاثنين - الثلاثاء أولى الضربات الجوية في سورية من الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وشارك فيه بفاعلية عدد من الدول العربية بينها السعودية والإمارات والبحرين والأردن، ما أسفر عن مقتل 120 مسلحاً على الأقل.

الأهداف

وأكد الجيش الأميركي والمرصد السوري لحقوق الانسان أمس أن الولايات المتحدة وحلفاءها العرب ضربوا أهدافا للتنظيم منها معسكرات تدريب ومقار قيادة وإمدادات أسلحة في معقله في الرقة إلى جانب أهداف على الحدود بين سورية والعراق في دير الزور (شرق) والحسكة (شمال شرق) والبوكمال (شرق)، حيث تم تدمير الاهداف أو إلحاق الأذى بها.

وذكر الجيش الأميركي أن الأهداف شملت أيضاً «مقاتلين ومجمعات تدريب ومنشآت للتخزين ومركزاً مالياً وشاحنات إمداد ومركبات مسلحة»، موضحاً أنه أطلق 47 صاروخ «توماهوك» العابرة للقارات من سفن حربية في البحر الأحمر والخليج العربي واستخدم قاذفات قنابل وطائرات مسلحة بلا طيار.

دعم عربي

وبينما أشار الجيش الأميركي إلى أنه تلقى دعماً في ضرباته ضد التنظيم من الحلفاء العرب، البحرين والأردن والسعودية وقطر والإمارات، قال بيان رسمي نشرته وكالة الانباء البحرينية أمس إن «تشكيلات من سلاح الجو الملكي البحريني بالاشتراك مع القوات الجوية الشقيقة بدول مجلس التعاون والقوات الحليفة والصديقة قامت في الساعات الأولى من اليوم الثلاثاء بضرب وتدمير عدد من المواقع والأهداف المنتخبة للجماعات والتنظيمات الإرهابية ضمن الجهد الدولي المتعلق بحماية الامن الاقليمي والسلام الدولي».

وفي بيان مماثل، أعلنت القوات المسلحة الأردنية أمس أن طائراتها أغارت على مواقع لـ»مجموعات إرهابية ودمرت أهدافاً منتخبة» على الحدود مع سورية والعراق، مؤكدة أن هذا «جزء من القضاء على الإرهاب في عقر داره».

عشرات الضربات

وأكد المرصد السوري مقتل عشرات المسلحين في الضربات الجوية بينهم أكثر من 70 عنصراً من «داعش»، موضحاً أن نحو 20 ضربة جوية وصاروخية استهدفت مواقع التنظيم في مدينة الرقة وضواحيها الغربية والشمالية وأيضاً بلدات تل عبيد والطبقة وعين عيسى، مبيناً أن مبنى المحافظة في الرقة الذي كان مسلحو الدولة يستخدمونه كمقر قيادة ضرب أيضاً.

وأضاف أن 22 ضربة جوية وصاروخية أخرى ضربت مواقع «داعش» في البوكمال وحولها على حدود العراق، كما استهدفت ثماني ضربات أخرى معسكرات التدريب ومقار القيادة ومواقع أخرى في المشارف الغربية لمدينة دير الزور.

«النصرة» و»خراسان»

وفي حين أشار المرصد إلى مقتل أكثر من 50 في قصف استهدف ثلاثة مواقع لجبهة النصرة، على الحدود بين محافظتي حلب وإدلب، قالت القيادة المركزية الأميركية إن ثماني ضربات جوية استهدفت «مقاتلين متمرسين من القاعدة» يعرفون باسم «مجموعة خراسان» لتعطيل «هجوم وشيك» خططت له الجماعة التي أوجدت لنفسها ملاذات آمنة في سورية.

وأضاف أن الضربات وقعت إلى الغرب من مدينة حلب الشمالية. وعلى خلاف الضربات التي استهدفت تنظيم الدولة بمشاركة الحلفاء نفذت الضربة الموجهة الى جماعة خراسان بموارد أميركية فقط.

وأكد الجيش الأميركي أنه سيستمر في شن ضربات جوية في سورية والعراق، وأنه «شن 194 غارة جوية ضد مواقع الدولة، بينما تواصل القوات المحلية الهجوم».

وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة وحلفاءها العرب سيشنون حملة جوية متواصلة تستهدف مواقع الدولة في سورية، ولكن وتيرة الضربات في المستقبل ستعتمد على طبيعة الأهداف المتوافرة.

رسالة وسجال

وعلى الفور دار سجال أميركي- سوري بعد إعلان دمشق أمس تلقيها رسالة من واشنطن عبر بغداد تفيد بأن قوات التحالف ستستهدف قواعد «داعش» في سورية.

وذكرت وزارة الخارجية السورية، في بيان بثه التلفزيون الرسمي أن «سورية مع أي جهد دولي يصب في مكافحة الإرهاب مهما كانت مسمياته من داعش وجبهة النصرة أو غيرهما وتشدد على أن ذلك يجب أن يتم مع الحفاظ على حياة المدنيين الأبرياء وتحت السيادة الوطنية ووفقاً للمواثيق الدولية».

وأشارت الخارجية إلى أن الرسالة الأميركية تلقاها الوزير وليد المعلم من نظيره الأميركي جون كيري عبر وزير خارجية العراق، مبينة أن «الجمهورية السورية إذ تؤكد أنها كانت ومازالت تحارب هذا التنظيم فإنها لم ولن تتوقف عن محاربته، وذلك بالتعاون مع الدول المتضررة منه بشكل مباشر وعلى رأسها العراق الشقيق، وتشدد في هذا الاطار على أن التنسيق بين البلدين مستمر وعلى أعلى المستويات لضرب الإرهاب».

تحذير أميركي

وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين بساكي في بيان ان الولايات المتحدة لم تبلغ النظام السوري مسبقا بشن هجمات جوية ضد الجهاديين.

وقالت المتحدثة «لم نطلب اذنا من النظام. ولم ننسق تحركاتنا مع الحكومة السورية. ولم نقدم تبليغا مسبقا للسوريين على مستوى عسكري، ولم نعط اي مؤشر عن توقيتنا لضرب اهداف محددة». وأكدت ان «وزير الخارجية (جون) كيري لم يبعث رسالة الى النظام السوري».

الا انها قالت انه عقب خطاب الرئيس باراك اوباما في وقت سابق من هذا الشهر الذي حدد فيه خطته لاستهداف تنظيم «الدولة الاسلامية» في العراق وسورية، ابلغت واشنطن مبعوث سورية في الامم المتحدة انه سيتم استهداف الجهاديين.

وقالت «ابلغنا النظام السوري مباشرة عن نيتنا للتحرك من خلال سفيرتنا في الامم المتحدة (سامنثا باور) التي ابلغت الممثل الدائم لسورية في الامم المتحدة». وقالت «حذرنا سورية من اعتراض الطائرات الاميركية».

الأسد

من ناحيته، أعلن الرئيس السوري بشار الاسد تأييد بلاده «لأي جهد دولي» يصب في مكافحة الارهاب.

ونقلت «سانا» عن الاسد خلال استقباله مبعوث رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومستشار الامن الوطني في العراق فالح فياض ان بلاده «مع أي جهد دولي يصب في مكافحة الارهاب».

وأضاف الأسد «ان نجاح هذه الجهود لا يرتبط فقط بالعمل العسكري، على أهميته، بل أيضا بالتزام الدول بالقرارات الدولية ذات الصلة وما تنص عليه من وقف كل أشكال دعم التنظيمات الارهابية».

وأكد الاسد خلال اللقاء، بحسب الوكالة ان «سورية ماضية بكل حزم في الحرب التي تخوضها منذ سنوات ضد الارهاب التكفيري بكل اشكاله».

وأشارت الوكالة الى ان الاسد اطلع فياض على «آخر الترتيبات» المتخذة في اطار مكافحة الارهاب «وتم التطرق الى الخطوات المقبلة والتدابير الممكنة من اجل توفير افضل السبل لإنجاح هذه الجهود بما يؤدي الى القضاء على التنظيمات الارهابية بمختلف مسمياتها».

كما جرى خلال اللقاء «التأكيد على مواصلة التعاون والتنسيق بين قيادتي البلدين في محاربة هذه الآفة الخطيرة، وخاصة بعد ان اثمر هذا التعاون نتائج ايجابية على الشعبين الشقيقين في سورية والعراق وعلى شعوب المنطقة».

رفض روسي

بدوره، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مكالمة هاتفية ليل الاثنين- الثلاثاء مع الأمين العام للأمم المتحدة، على أن هذه الحملة يجب أن تتم بموافقة دمشق.

كما حذرت وزارة الخارجية الروسية من أن «الذين يقومون بتحركات عسكرية أحادية يتحملون المسؤولية الكاملة لعواقبها»، مشيرة إلى أن «محاولات تحقيق أهداف جيو-استراتيجية عبر انتهاك سيادة حكومات المنطقة لا تؤدي الا الى تأجيج التوتر ومزيد من زعزعة استقرار الوضع».

وقال المتحدث باسم الوزارة ألكسندر لوكاشيفتش إن «أي تحرك من هذا القبيل لا يمكن أن ينفذ إلا بما يتفق مع القانون الدولي. وهذا يعني لا مجرد إخطار رسمي من جانب واحد بالضربات الجوية بل بوجود موافقة واضحة من الحكومة السورية أو بقرار من مجلس الأمن بهذا المعنى».

ترحيب «الائتلاف»

في المقابل، رحب ائتلاف المعارضة السورية أمس بضرب التنظيم الجهادي، لكنه حث على مواصلة الضغط على حكومة الأسد.

وقال رئيس الائتلاف هادي بحرة، في بيان باللغة الانكليزية، «انضم المجتمع الدولي الليلة إلى صراعنا ضد الدولة الإسلامية في سورية»، مضيفاً: «لقد دعونا إلى القيام بضربات جوية كتلك التي بدأت بعد تردد وقلق كبير. ونشدد على ضرورة اتخاذ كل الاحتياطات لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين».

ودعا البحرة «جميع الشركاء إلى مواصلة الضغط على نظام الأسد»، موضحاً أنه «لا يمكن الانتصار في هذه الحرب بالقوة العسكرية وحدها ولكن باستراتيجية شاملة مع المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية - ويمكن للمجتمع الدولي ان يدعم هذه العملية ولكن يجب أن يقودها وينفذها السوريون».

مشاركة دولية

وامتنع حتى الآن عدد من الحلفاء الغربيين التقليديين عن المشاركة ومن بينهم بريطانيا التي حاربت مع الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، لكن مصادر حكومية كشفت أمس عن اتجاه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى إعلان انضمام بريطانيا للضربات الجوية ضد «داعش» في العراق في موعد لا يتجاوز اليوم، وانه يعتزم السعي للحصول على موافقة البرلمان على مثل هذه الخطوة.

وأوضح المصدر أن كاميرون لم يقرر ما إذا كانت بريطانيا ستشارك في تنفيذ الضربات الجوية على سورية بسبب أمور قانونية.

وبينما امتنعت فرنسا، التي وجهت طلعة جوية واحدة حتى الآن في شمال العراق، عن المشاركة في ملاحقة التنظيم في سورية، أكدت استراليا التي يستهدفها ايضا تهديد الجهاديين أنها تتعامل مع الموضوع «بجدية كبيرة».

(دمشق، واشنطن، المنامة، عمان - أ ف ب، رويترز،

د ب أ، كونا)