كتبت الأسبوع الماضي في هذه الزاوية، رسالة لسعادة وزير التربية والتعاليم العالي الدكتور بدر حمد العيسى، قلت فيها إن التعليم يبدأ بإعادة النظر في المناهج الدراسية لمختلف المراحل، وإن مناهج وزارة التربية، وتحديداً لمراحل رياض الأطفال والابتدائي، بحاجة الى تغيير كامل، يُلغي تلقين التخلّف ويأتي بتعليم علمي وعصري يخاطب العقل والمنطق، ويفتح وعي وعينيّ الطفل على كل ما يحيط به، ويجعله يعيش لحظة عصره الماثلة، إنسانياً وعلمياً وفكرياً وتربوياً وثقافياً وفنياً واجتماعياً ورياضياً.

Ad

الإنسان اليوم يعيش عصر الإعلام، ولم يعد الطفل يأخذ قناعاته من نصائح الأمهات والآباء، وأفواه المدرسين والكتّاب، بل هو يتشرب، دون وعي، بما يرى ويسمع من وسائل الإعلام بدءاً بالتلفزيون، مروراً بمواقع شبكة الإنترنت، وما تقدمه من أفلام قصيرة عبر خدمة "يوتيوب-YouTube"، عبوراً ببرامج "الكمبيوتر اللوحي-iPad"، ومواقع "التويتر" و"فيس بوك" و"انستغرام"، وانتهاء بالتلفون الذكي.

الأسرة والمدرسة والمدرِّس لم يعد أي منهم معلماً/ مربّياً بالمعنى القديم المعروف للكلمة، على مستوى توصيل المعلومة، والاقناع والسلوك، والقدوة. الملوك والخلفاء كانوا يتخيّرون لابنائهم المدرسين، وفي هذا إشارة إلى عدم تفرغهم، وعدم إلمامهم بالمعلومة المتخصصة، وقناعتهم بأن علاقة المدرّس بالطالب تختلف عن علاقة الأهل به. لكن هذا ما عاد يصلح لأيامنا هذه، مع بقاء مبرراته فلا الأهل متفرغون لأبنائهم، ولا هم ملمون بالمعلومة المدرسية، ومؤكد أن علاقة الأمهات والآباء بأبنائهم قد تغيرت عما كانت عليه. لذا يجب الانتباه جيداً إلى الدور الخطير الذي باتت تلعبه وسائل الإعلام في حياة أطفالنا والنشء، وتحديداً المرئي منها. وكيف أنها تدسّ وتُملي على الطفل، ليل نهار، بحكم تعلّقه بها ومصاحبتها له، شكلاً من القناعة والسلوك، الذي يتضاءل أمامهما أي دور للأسرة أو المدرسة والكتاب.

ما عاد الأمر حكراً على الدول التي تعيش بحبوحة العيش، بانتشار أجهزة التلفون الذكي والـ"آي باد" بين الأطفال والناشئة، فضلا عن انتشارها بين مختلف الفئات العمرية الأخرى. لكن ما يجدر التوقف عنده هو أن الكثير من الأسر، والأسر الشابة تحديداً، صارت تُلقي بتربية الطفل على الخادمة، وتجد في إلهاء واسكات الطفل ببرامج الـ"آي باد" والتلفون الذكي، وسيلة سهلة وفعالة لكفّه عن الصراخ والضجة والأسئلة، والتخلص من مسؤولية متابعته. وفي هذا فطم وقطع لكل صلة للطفل بالأسرة والمجتمع.

يبدو مشهداً نافراً في أي مجمّع تجاري أو سوق، أن تتكفل المربية/الخادمة بحمل الطفل الرضيع على كتفها ليشتم رائحة جسدها، ويتبخر بعطر شعرها، ويغفو خده على لحم كتفها، بينما تزهو الأم بالسير مبتعدة معلّقة حزام حقيبتها الثمينة على كتفها! أطفالنا تُطعمهم وتربيهم الخادمات الأجنبيات، وجلهن لم ينلن أكثر من التعليم الابتدائي، وسط غياب دور الأمهات والآباء، ومتى اشتد عود الطفل وترك حضن الخادمة، تكفلت به برامج التلفزيون الأجنبية، وجهاز الـ"آي باد"، والتلفون الذكي، بعيداً عن رقابة الأسرة والمدرسة.

إن وقوفاً أمام الدور الخطير والمؤثر الذي تلعبه وسائل الإعلام على عقول وسلوك أبنائنا، يتطلب الارتقاء بمناهج التعليم الحكومي وعصرنتها لكي يُقبل عليها أطفالنا ويصادقونها ويتأثرون بها. فكم يبدو البون شاسعاً لحظة يتأمل أي شخص مناهج وطرق التدريس في المدارس الأجنبية في الكويت، وبين مناهج وطرق تدريس المدارس الحكومية، وهذا أمرٌ يؤلم القلب والخاطر.

أطفالنا والنشء صاروا يتلقفون أي حدث، شخصي أو أسري أو اجتماعي، ويتفاعلان معه عبر وسائل الإعلام في "تويتر وانستغرام وفيس بوك"، وهم في كل هذا يبعثون برسالة واضحة تقول لنا: العالم يعيش لحظة إعلام ونحن معه، ولسنا معكم نعيش!