فجر يوم جديد: {خبير المخدرات}!
لا أدري، حتى هذه اللحظة، كيف ضيع الممثل الشاب محمود عبد المُغني، والمخرج حازم فودة، على نفسيهما فرصة استثمار الشخصية الطازجة التي كتبها ياسر عبد الباسط، في أول تجربة يكتب فيها للسينما، وقدم لنا من خلالها ما يمكن أن نُطلق عليه «الخبير المُثمن» في عالم المخدرات، الذي يملك قدرة فائقة على التفريق بين المخدرات الأصلية وبين تلك المغشوشة، وتقدير الثمن الحقيقي الذي تستحقه. من ثم، فهو صاحب قرار إتمام الصفقة أو إلغائها، فهو ليس تاجر المخدرات التقليدي أو «الديلر»، الذي اعتادت السينما المصرية تقديمه، لكنها شخصية جديدة، وليس لها مثيل على الشاشة العربية، كونها تكشف مهنة مجهولة بالنسبة إلينا، وتضع أيدينا على تفاصيل جديدة في عالم المخدرات الذي استهلكته السينما المصرية!
وظيفة مثيرة كان يمكن أن تقودنا إلى تجربة مختلفة غير أن النتيجة النهائية للفيلم، الذي شارك في كتابة السيناريو والحوار له مصطفى سالم، جاءت صادمة إلى حد كبير، بعد أن أسقط المخرج حازم فودة، الذي قيل إنه شارك في إخراج فيلم «بوشكاش»، من حساباته عنصر الجدية، وأختار أن يصنع فيلماً تقليدياً بمعنى الكلمة. فباستثناء مشهد وحيد، في بداية الفيلم، مارس فيه «كرم الكينغ» (محمود عبد المغني) براعته في فرز صفقة المخدرات المتفق على بيعها للتاجر «مجدي المناعي» (منذر رياحنة) وتقاضى أجره وسط مظاهر الإجلال والتقدير، ثم وقعنا في براثن صراع مكرر، ومستهلك، بين «كرم» و{مجدي» للفوز بفتاة الحارة «نورا» (ريهام حجاج) التي تحب «كرم» لكن أمها (عفاف رشاد) تنحاز للغريم الثري، الذي يبذل قصارى جهده لتشويه صورة منافسه، الذي لا يحتاج بالمناسبة إلى التشويه. فالفتى الذي يهرول في بداية الفيلم للمشاركة في تشييع جنازة أحد أبناء الحارة، ويُصر على حمل التابوت، ويتنازل عن القسط المُستحق على «أم عبير»، ويتعهد بتحمل نفقات عُرس ابنتها، تنفيذاً لوصية المرحومة أمه، ويُصر على أن يعيش بقية حياته مرفوع الرأس، كما يجهل الفارق بين «الهالووين» و{الهيروين»، ينقلب، فجأة، على مبادئ المروءة والشهامة والجدعنة، وكراهية الحرام، ولا يكتفي بالعمل كسايس يغسل السيارات أمام الملهى الليلي، الذي يملكه «الأنصاري» (أحمد صيام) تاجر المخدرات الشهير، وإنما يُغدق في منح لفائف المخدرات لأحد زبائن الملهى (شريف باهر) ولا يتردد في الموافقة على العمل لحساب تاجر المخدرات، وتقع راقصة الملهى (شمس) في غرامه، وكأنه «كازانوفا»، وتحرضه على ابتزاز «عماد» (أحمد حافظ) الذي ضيع ملفاً مهماً يدين شخصيات كبيرة في الدولة! مساحة ليست قليلة أهدرها الفيلم في قضايا فرعية، في محاولة من صانعيه، لإضفاء أهمية على العمل، قبل أن يتذكر العودة إلى الطرف الآخر في الصراع، ونرى «مجدي» الذي يعود إلى المشهد ليواصل الثأر من «كرم»، والكيد له. فالادعاء بأن الجميع غارق في الحرام حتى أذنيه، وأن الأغنياء ينظرون إلى من عداهم نظرة دونية، محض ادعاءات فارغة وأباطيل، خصوصاً أن هذه الرسائل التحتية تم تقديمها بشكل لا يخلو من عبث وهزل وغياب للمنطق والمبرر، والازدراء الواضح للعقل، فالخلطة السبكية بدت وكأنها نموذج يُحتذى من المنتجين الجدد، بدليل ما فعله المنتجان «عمر وأحمد عمران» في فيلم «كرم الكينغ» من تشويه واضح للفكرة، وانحراف بالشخصية عن مسارها، واستعانة بمطربين (محمد رشاد وأحمد باتشان) وراقصة (شمس) وصراع ممجوج ومستفز، وهو ما لاقى ارتياحاً، في ما يبدو، من المؤلف والمخرج، فالصراع في الفيلم، ولأول مرة، بين الشر والشر، والتعاطف مع أي شخصية مفقود. أما الشخصيات الزائدة (محمد متولي وعفاف رشاد) فحدث ولا حرج، و{الكليشيهات» ثابتة، بينما تعامل المخرج مع التجربة بشيء من اللامبالاة، وغياب الحرفية، فالدقة غائبة، ومشاهد الحركة ركيكة التنفيذ، والشرير «يبان من عينيه»، والمونتاج (محمد عيد) عاجز عن ضبط الإيقاع، والميكساج (إسلام جودة) رديء للغاية، والأداء التمثيلي في أسوأ حالاته، بعد أن فقد محمود عبد المغني بوصلة الاختيار، وفشل في تحديد اتجاه وشكل الأداء، وراح يكرر الانفعالات نفسها بحيث لا تجد فارقاً بين «النبطشي» و{كرم الكينغ»، وكأنه يبرهن من تجربة إلى أخرى أن البطولة الجماعية هي الأنسب والأفضل له، بينما بدا أن منذر رياحنة ضل طريقه مذ تجربته في مسلسل «خطوط حمراء»، وصارت اللهجة تمثل حائلاً قوياً بينه والمتلقي. ولهذا السبب حاول السيناريو الإيحاء بأنه ينتمي إلى قبيلة «المناعي» ليبرر لهجته الخشنة لكن اجتمعت عوامل كثيرة، كالانفعالات الزائدة، والمبالغات الصارخة، لتجهض تجربته الجديدة ويكرر فشل «العقرب» و{هز وسط البلد». أما الوجوه الجديدة: محمد علي رزق، رانيا مسعد، أحمد عبد الله محمود، سميرة المقرون وأحمد حافظ فلم يترك أحدهم البصمة التي تجعل المرء يتوقف عنده أو يتنبأ له بمستقبل أفضل!