النفط الكويتي خسر 54% في 5 أشهر... اصحَ يا نايم!
قدرتنا على التحكم في السوق ضئيلة وتعاملنا مع الموقف محدود
يتطلب ضبط الانفاق قرارات جريئة بإعادة معالجة أوجه الدعم وتوجيهها إلى المستحقين، وتنويع سوق العمل لتخفيف العبء عن المرتبات، مع طرح مشاريع حقيقية للقطاع الخاص.
ببلوغ سعر برميل النفط الكويتي 50.7 دولاراً يكون سعر النفط الكويتي فقد نحو 54 في المئة من قيمته خلال اقل من 5 اشهر، وسط توقعات سلبية تكتنف سوق النفط العالمي، يرتبط معظمها بضعف الطلب ووفرة المعروض وتوقعات اقل للنمو العالمي في 2015.ورغم الاختلاف اللافت في تحديد السعر الذي تسجل الميزانية دونه العجز المالي ما بين 75 دولاراً للبرميل حسب الميزانية الرسمية، أو بحدود 90 دولاراً بعد اقتطاع 25 في المئة لمصلحة احتياطي الأجيال، أو حتى 52 دولاراً وفقاً لبعض المؤسسات المالية التي احتسبت ايرادات الاستثمار في تمويل إيرادات الدولة، فإن السعر الحالي يُدخل الكويت في عجز مؤكد إذا استمرت الاسعار الحالية على مستواها خلال عام 2014-2015 المالي.التعامل مع الموقففي الحقيقة، ليس المهم اليوم انخفاض أسعار النفط بل المهم التعامل مع هذا الانخفاض، بما يضبط الانفلات في الميزانية العامة، فإذا كانت قدراتنا على التحكم في سوق النفط محدودة فإن الخيار يبقى متاحا لنا في التعامل مع آثار الهبوط عبر اتخاذ اجراءات من شأنها معالجة الملفات الاقتصادية والمالية، وهو ما يتطلب قرارات حقيقية، وليس التوجه - كما ورد في تصريحات حكومية - الى سد العجز عبر المفاضلة بين الاقتراض من الاحتياطي العام للدولة او الاقتراض التجاري، وهو امر يعني اننا نتجه الى شراء الحاضر على حساب المستقبل، وأن الدروس المستفادة من انخفاض اسعار النفط محدودة إن لم تكن معدومة.إصلاح الاقتصاد - على الأقل لتلافي الأزمات- يتطلب اتخاذ قرارات عاجلة كضبط النفقات غير الضرورية، وترشيد الصرف والعمل على وضع سقف للميزانية لا يمكن ان ترتفع فوقه، وأخرى متوسطة المدى تتعلق بالاسراع في تنويع سوق العمل وتنويع الاقتصاد واطلاق خطة تنمية حقيقية بأدوات قياس عملية، لا خطة تنمية فشلت الحكومة في إدارتها فوضعت خطة اخرى محدودة الطموحات... والأهم ان تكون للكويت خطة استراتيجية يجري تقييمها سنويا بدلاً من بيع الوهم للناس على مدى 11 عاما بالحديث عن التحول إلى مركز تجاري ومالي بلا اي نتيجة حقيقية على الأرض. القدرة والمرونةويبدو جلياً أن الفارق بين الواقع العملي وبين ما هو مطلوب شاسع، فقرارات الحكومة بشأن التعامل مع واقع اسعار النفط لا تتعدى مجموعة توجهات ذات اثر محدود على الميزانية كإيقاف الترقية بالاختيار أو عدم التوسع في الهياكل الادارية والتنظيمية او حتى العمل على ضبط الانفاق او الهدر في اللجان والمهمات الخارجية، مع ان ضبط الانفاق يتطلب اتخاذ قرارات جريئة بإعادة معالجة اوجه الدعم وتوجيهها إلى المستحقين، فضلا عن تنويع سوق العمل لتخفيف العبء على المرتبات، إلى جانب العمل على طرح مشاريع حقيقية للقطاع الخاص تحقق للدولة إيرادات غير نفطية، وتوظف عمالة وطنية كي نستطيع أن نقول إن لدينا اقتصادا فعليا وإن لدينا القدرة والمرونة للتعامل مع اي متغيرات في سوق النفط، لأن هناك بدائل وإن كانت غير رئيسية على المديين القصير والمتوسط.فعلى مدى 15 عاماً، حققت الكويت فوائض سنوية ضخمة ناهزت 350 مليار دولار، الا ان هذه الفوائض لم تستغل ابدا في معالجة الاختلالات الحقيقية للاقتصاد الكويتي، لا من حيث إصلاح سوق العمل عبر توفير مناخات وبيئات استثمارية مختلفة عن العمل الحكومي، ولا من ناحية تقليل هيمنة الدولة على الاقتصاد، ولا في طرح مشاريع وفرص ترفع نسبة الإيرادات غير النفطية مقابل نظيراتها النفطية، فكانت الكويت كلما سجلت فائضا قياسيا في إيراداتها سجلت معه تراجعا في تنافسية اقتصادها، ومدى توفر بيئة جيدة للاستثمار فيها، بل امتد الأمر إلى تراجع لا يناسب النمو في الفوائض على مستوى الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والإسكان، مما يشير بشكل جلي إلى كيفية توفر الأموال، رغم ضخامتها، في يد إدارة لا تحسن التعامل معها.التحدي أكبركلما تراجع سعر برميل النفط كانت الحاجة أكثر إلى اصلاح الميزانية وتنويع الاقتصاد، فما نحتاج إليه هو الكثير من الإجراءات لا مجرد رفع أو ترشيد الدعم عن الخدمات رغم ضرورته، فاليوم التحدي اكبر من ذي قبل، وسوق النفط يمر بمرحلة من التخمة في المعروض يقابلها تباطؤ نمو في اقتصادات شرق اسيا وسياسات تقشف اوروبية ونمو للانتاج الاميركي من النفط، وهي تحديات، على ما يبدو، ليست قصيرة المدى، وبالتالي نحتاج إلى قرارات تتصف بالديمومة لدولة تستهلك نحو 70 في المئة من ميزانيتها في الإنفاق الاستهلاكي.لن يفيد الاقتصاد الكويتي حالة الإنكار التي يطلقها عدد غير قليل من الوزراء بأن الإنفاق على المشاريع او حتى المواطن لن يتأثر بانخفاض اسعار النفط، فالمنطق يقول ان 93 في المئة من ايرادات الكويت تعتمد على النفط، وبالتالي فإن تراجع الاسعار بواقع 54 في المئة لا بد ان ينعكس سلبا على اوجه الانفاق المباشر او غير المباشر، خصوصا ان التجارب السابقة تؤكد ان الاثر السلبي في خفض الانفاق في الغالب ينعكس على المشاريع اكثر من غيرها.يبدو ان ما حدث في نهاية الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي يعود مجددا اليوم، ليس فقط على صعيد الانخفاض الحاد لاسعار النفط، لكن ايضا في تعاملنا مع هذا الملف، مما يؤكد ان الدروس على كثرتها لم تفدنا شيئاً.