القارئ... دور النشر والرواية

نشر في 10-05-2015
آخر تحديث 10-05-2015 | 00:01
 ناصر الظفيري حين كنا نتجادل في أيام خلت حول ماهية القارئ وأهمية دوره في تقييد دور المبدع، وهو الذي يعاني أصلا قيود السلطة وقيوده الذاتية، كنا نصر على أن العملية الابداعية لا تخضع لحكم القارئ ومزاجيته وثقافته أو قدرته على فك شفرات النص والصعود بشكل عمودي الى مستوياته المتباينة. بمعنى أكثر بساطة، الكتابة الابداعية نخبوية يتحكم فيها المبدع بغض النظر عن اقبال القارئ أو عزوفه وتأثيره على النص أثناء ميكانيكية الكتابة.

وفي كثير من التجارب سواء الغربية أو العربية كان القارئ، كسلطة، يرفض هذا النص أو ذاك تحت وطأة الخوف من التغيير الاجتماعي.

نتذكر هنا محاكمة كثير من الابداعات لأسباب قد تبدو مقبولة في حينها، ولم تعد كذلك اليوم. لم يرضخ ابسن وهو يتعرض لمحاربة مسرحيته الشهيرة "بيت الدمية" والتي هدد الجمهور البريطاني بحرق المسرح اذا ما عرضت المسرحية، ولم يرضخ أوسكار وايلد والناشر يحذف دون علمه خمسمئة كلمة من روايته ورغم ذلك يحاكم كمخل بالأخلاق العامة في عمله صورة دورين جراي الذي أصبح خالدا غربيا وعربيا أيضا. ورغم انتشار الأعمال الغربية مترجمة مازال المنع هو الأسلوب الوحيد الذي يواجهه الكاتب في العالم العربي.

خرجت الرواية الغربية من عباءة القارئ المناهض وقيده، ووجد الكاتب نفسه في حالة من الحرية المطلقة كان السبب الأول فيها هو الفردانية Individualism التي تخلصت من التفكير بالآخر.

أما الرواية العربية فمازالت تحت وطأة القارئ والقيد الذاتي والاجتماعي مذعنة للتقليدية ومعارضة للتجريب الروائي، واضعة همها السياسي ومطابقاتها للأحداث التي تمر بها أو مرت بها الحياة العربية نصب عينها، وذلك ما أفقدها قدرتها على الخروج من عباءة رغبة القارئ والغاء النخبوية التي كنا نتجادل حولها ولم نتفق عليها.

الدور الكبير للقارئ اليوم وتحكمه بدور النشر وفرض رغباته القرائية لتسويق كتاب ما أخرج لنا سيلا من الروايات التي رضخت لهذه السلطة القرائية التي أفادت من مواقع التواصل الاجتماعي وعرض انطباعها ودرجة تذوقها على هذه المواقع، حتى اقتنع الكاتب بأن دور الناقد الأدبي لم يعد مهما أمام انطباعات قرائه وربما أكثر من ذلك انسحب الناقد الجاد وسط هذا الصخب الالكتروني.

استيلاء القارئ على زمام الحركة الروائية بشكل شبه كامل أصاب دور النشر بحالة من الهستيريا، فهي تقدم أعمال روائييها، مستفيدة أيضا من مواقع التواصل الاجتماعي وتحكمها بالجوائز الأدبية التي رضخت لها لسبب غير مبرر. ولجأت بعض دور النشر الى اغراءات تعدد الطبعات التي وصل بعضها الى أرقام لا يصدقها القارئ ويعرف زملاؤه الناشرون استحالتها عمليا.

النتائج المترتبة على هذا السلوك الانتاجي والاستهلاكي، بمعنى أدق هي فقدان الرغبة لدى الروائي في تقديم أعمال روائية مغايرة وخوض مغامرات التجريب في أشكال روائية بعيدة عن النسق التقليدي للسرد العربي.

لقد أصبح خيالا أن نطمح الى كتابة رواية مثل "موبي ديك" التي كتبها هيرمان ملفيل عام 1851، ومستبعد جدا أن نبدع أعمالا للناشئة كالحديقة السرية لفرانسيس هودغسون.

back to top