يستوقف المارة في المدينة الذهبية، مدينة العلم والعلوم، "سالمنكا" الإسبانية، نحت لتمثال ضخم لواحد من أكثر الشخصيات تأثيراً في إسبانيا للنحات الإسباني بابلو سيرانو، الذي قام بنحته سنة 1968. التمثال بأدق تفاصيله يعطي انطباعاً غريباً بأنه يتحدث ويقدم نفسه وكأنه يقول: نعم أنا ميغيل دي أونامونو! فمن هو دي أونامونو؟ وماذا يرمز بالنسبة إلى مدينة جامعية اشتهرت بوجود عطاشى العلوم والمعرفة؟
ميغيل دي أونامونو هو ذلك الكاتب، والروائي، والفيلسوف، والشاعر، والناقد الأدبي، وكذلك المؤلف المسرحي، يعتبر واحداً من أهم المفكرين الإسبان في العصر الحديث وأكثرهم تأثيرا، ولد في مدينة بيلباو في إقليم الباسك، ودرس في مدريد وتخرج بدرجة دكتوراه في الفلسفة والأدب، وأصبح في ما بعد كاتدرائياً بمادة اللغة الإغريقية في جامعة سالمنكا منذ 1891 حتى 1901 وصولاً إلى رئاسة الجامعة. في سنة 1914 ترك رئاسة الجامعة بسبب نقده اللاذع وتطاوله على الملك ألفونسو الثالث عشر؛ مما عرضه لضغوط خارجية، لكنه لم يترك تدريس اللغة الإغريقية قط، وفي سنة 1924 اشتبك مع جماعة الدكتاتور ميغيل بريمو ريفيرا فحبس في جزر الكناري، وبعد ذلك نقل إلى فرنسا، وعاش الغربة حتى سنة 1930، السنة التي سقطت فيها دكتاتورية ميغيل بريمو ريفيرا. يعود إلى أرض الوطن، وتحديدا إلى مدينة سالمنكا برتبة مدير جامعتها مرة أخرى، وفي إحدى المناسبات الجامعية ألقى كلمته الشهيرة: "سوف تغلبون ولكنكم لن تقنعوا"!، فأكمل هذه الجملة الشهيرة الجنرال ميغان أستراي والذي كان حاضرا: "فليحيَ الموت وليمت الذكاء!".كان ثوري الفكر يرفض القيود والسياسات الصارمة، فأعرب بأسلوبه عن قلقه الدائم على الوضع الراهن لإسبانيا، فعكسها بجملة: تؤلمني إسبانيا! وهي جملة وصل صداها حتى يومنا هذا إلى قلوب محبي الوطن من كتّاب وفلاسفة وطلاب علم، وتأثر به فلاسفة أوروبا مثل أدولف فون هارناك وسورين أباي."ضباب" واحدة من أشهر رواياته التي ترجمت إلى لغات عدة، ونشرت سنة 1914، وتعتبر حتى يومنا هذا واحدة من أفضل 100 رواية إسبانية للقرن العشرين، تتضمن عمقاً فكري الوجود والخلود وهشاشة المكنونية البشرية، يتطرق إلى حقوق المرأة أيضاً، والتأرجح ما بين الخيال والواقع كمحاور أساسية للرواية.آخر لحظات ميغيل أونامونو تكون في منزله بسالمنكا بسبب فرض الإقامة الجبرية عليه لأفكاره، ويموت عن عمر يناهز 72 عاماً بشكل مفاجئ، وعثر عليه أحد طلبته المقربين المدعو بارتو لومي أراغون، والذي أصبح فيما بعد أستاذ حقوق بالجامعة، وفجع بموته العديد من الكتّاب العاشقين لشجاعته وفكره الثوري الذي أثار العديد من الكتّاب في تلك الحقبة، فكتب لورينثوغيسو: "إسبانيا خائفة من نفسها، مرعوبة هي، تنزف تتدمر!". "ضباب" مقهى في مدينة سالمنكا، يرتاده من يريد أن يحتسي قهوة إسبانية بنكهة أعاصير فكرية ثورية حرة، يتناقش فيه طلاب جامعة سالمنكا ليعيشوا أجواء أونامونو حتى اللحظة، وفي كل لحظة يقول أونامونو: "من حمل الإيمان بداخله، فلن يحتاج لأحد أن يؤمن به!".فليحيَ الذكاء والثورة الفكرية! ودمتم بحب إسباني.
مقالات
فليحيَ الذكاء والثورة الفكرية!
09-05-2015