الإرهاب يستهدف مصر
المتابع لتطورات الأحداث السياسية في منطقتنا العربية في الآونة الأخيرة، لابد أن يلاحظ أن هناك استهدافاً إرهابياً ممنهجاً لإثارة الفوضى في مصر من أجل هدم أركان الدولة ومؤسساتها، أو على الأقل إضعافها وشل حركتها من أجل هزّ الثقة الشعبية بالوضع السياسي الذي تَشكّل بعدما أسقط الشعب المصري نظام حكم "الإخوان" في ثورة 30 يونيو.وإذا ما أخذنا في الاعتبار ما تمثله مصر من ثقل إقليمي، ودور محوري، وتأثير قوي على شعوب المنطقة ودولها، فإن هدف القوى الإرهابية ومؤيديها هو زيادة إرباك الوضع العربي، والتأثير في موازين القوى لصالح تنفيذ خطط "الفوضى الخلاقة" الرامية إلى تفتيت دول المنطقة وتقسيمها إلى "كيانات" طائفية وعرقية وإثنية صغيرة ومتحاربة، وذلك عن طريق إسقاط الدولة في مصر، أو على الأقل، إشغالها بنفسها من خلال استهداف جيشها الوطني القوي والمتماسك، وزعزعة الأمن الداخلي بإثارة مشاكل داخلية، والقيام بسلسلة عمليات إرهابية من أجل إثارة الرعب، والخوف، وعدم الاطمئنان في نفوس الشعب، في محاولة بائسة ويائسة لإضعاف روحه المعنوية وهز ثقته بالنظام بشكل عام، وبقوى التغيير والتقدم والثورة بشكل خاص.
ومما لا شك فيه أن الشعب المصري وقواه الثورية والمدنيّة الحيّة على دراية كاملة بما تُخطط له القوى الإرهابية الرجعية والمعادية للتطور والتقدم، ولكنه الآن بين نارين، فهو ضد الإرهاب ومع الدولة، قلباً وقالباً، في مكافحته والقضاء عليه، وفي الوقت عينه فإنه ضد عسكرة الدولة، وضد احتكار السلطة وتركيز النظام على الجوانب الأمنية فقط، وبالذات سياسة القبضة البوليسية التي تتعارض مع حقوق الإنسان والحريات العامة، خاصة أن القضاء على الإرهاب لا يتحقق بالقبضة البوليسية بل بإطلاق الحريات العامة وفتح قنوات العمل السياسي؛ فالتخلف والقمع والاستبداد عوامل مُحفزة لتكاثر القوى الرجعية التي تقوم بالأعمال الإرهابية. والمشكلة هنا أن استمرار الأعمال الإرهابية يعطي دعماً شعبياً لسياسة القبضة البوليسية، وهو ما يستخدمه النظام أحياناً كثيرة في تبرير عملية تقييد الحريات العامة، مما يساهم في التراجع الديمقراطي وإضعاف قوى التغيير الديمقراطي والتقدم الاجتماعي.بكلمات أخرى، فإن قوى الإرهاب تلتقي في أهدافها المعادية للثورة مع قوى الاستبداد والقمع والطغيان، حيث إن زعزعة الوضع الداخلي والأعمال الإرهابية التي تقوم بها منذ ثورة 30 يونيو تعطي دفعة معنوية قوية لفلول الحزب الوطني من ناحية ولدعاة الديكتاتورية العسكرية من الناحية الأخرى لمحاولة فرض سيطرتهما على المجتمع، لأن الناس في ظل الخوف من الإرهاب، والبحث عن الأمن والسلم الاجتماعيين، لا يفكرون في الديمقراطية ولا يعيرون اهتماماً جدياً لحقوق الإنسان، إذ يعتبرونهما ترفاً زائداً، لأنهم يتصورون أن الحياة ذاتها مهددة، والدولة برمتها معرضة للسقوط الكامل. الظروف الحالية صعبة ومُعقدة داخلياً وإقليمياً، لهذا يلتبس الأمر على البعض، فيظنون خطأً أن القبضة البوليسية كفيلة بالقضاء على قوى الإرهاب والتطرف التي ستجد لها ألف طريقة وطريقة للبروز والتكاثر ثم زعزعة الأمن الداخلي مادام هناك استبداد وقمع للحريات العامة وحقوق الإنسان، حيث ستتوافر، عندئذ، بيئة حاضنة ومنتجة لأفكار الانغلاق والغلو والتطرف والتعصب. على هذا الأساس، فإن دحر الإرهاب في مصر يتطلب إفساح المجال العام أمام القوى الثورية والمدنيّة كافة للمشاركة الفعلية في إدارة مرحلة التحول الديمقراطي، ثم اتخاذ خطوات عملية وملموسة من أجل تحقيق مطالب الثورة (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) التي لمّا تتحقق بعد، وهذا يتطلب إجراءات سريعة لإلغاء جميع القوانين المُقيّدة للحريات العامة، وذلك كي يتمكن الجميع من خلال القواعد الدستورية المتوافق عليها وطنياً من ممارسة العمل السياسي والعام بحرية.