قوانين الانتقام السياسي!
إن قانون تكميم الأفواه الذي لا تخلو إلا مادته الأولى والختامية من عقوبات الحبس وإطلاق يد الوزير المختص وموظفيه عبر قرارات وزارية مباشرة، ومن خلال الضبطية القضائية لملاحقة الجميع، لا يهدف إلا إلى إغلاق آخر معاقل الحرية في الكويت، وأول أبواب الحريات العالمية المعاصرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
الكثير من أعضاء مجلس الأمة لديهم حساسية مفرطة من الانتقادات الشعبية على أداء البرلمان الحالي، ويصل بهم الأمر إلى الهستيريا، وتحويل الجدل السياسي والتقييم العام إلى خصومة شخصية، وبمستوى هابط من التراشق والكلمات النابية أحياناً، والدليل على ذلك أن الوقت الذي يقضيه بعض النواب في الهجوم على خصومهم السياسيين وملاحقة نشاطهم وحتى تغريداتهم يفوق بكثير ما يتطلبه العمل البرلماني من الرقابة على أداء الحكومة، وتقييم وزرائها، وهذا أمر بالتأكيد يرجع إلى شخصيات هؤلاء الأعضاء وأولوياتهم السياسية. هذه العقدة لم تقف عند حد التطاول والتحرش بالنواب السابقين الذين قد يمثلون مع النواب الحاليين حدية في المنافسة فقط، ولكن تشمل أيضاً أي ناقد للمجلس الحالي من المغردين وكتّاب الصحافة والناشطين في العمل العام رجالاً ونساءً وشباباً وكباراً، وهذا ما قد يفسّر الحافز التشريعي أيضاً لدى هؤلاء النواب خصوصاً فيما يتعلق بالحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير عن الرأي والنقد السياسي الذي لم يبق له مجال سوى وسائل التواصل الاجتماعي.قد نتفهم قيام الحكومة بتقديم مشروع قانون الجرائم الإلكترونية ومحاولة تضليل الناس بأن هذا التشريع يمهّد للانضمام إلى اتفاقية بودابست لمحاربة الجريمة الإلكترونية عالمياً، مع العلم أن كل الدول التي التحقت بهذه الاتفاقية لم تتضمن تشريعاتها ملاحقة مغرديها وفقاً لآرائهم السياسية كما هو الوضع في المشروع الحكومي!أما منافسة أعضاء مجلس الأمة لهذا التوجه الحكومي، وتبني النواب لثلاثة اقتراحات منسوخة من قانون الحكومة "كجا مرحبا"؟ وما سر مزايدة مقدمي هذه الاقتراحات بقانونين، ومن صوّتوا لإقرار قانون الحكومة بحماس لحمايتها من السخط الشعبي وبهذا الشكل المريب؟ حيث يفترض أن يكون مجلس الأمة هو حاضنة الحريات حتى إن كان أعضاؤه هم في صدارة النقد اللاذع.إن قانون تكميم الأفواه هذا الذي لا تخلو إلا مادته الأولى والختامية من عقوبات الحبس وإطلاق يد الوزير المختص وموظفيه عبر قرارات وزارية مباشرة، ومن خلال الضبطية القضائية لملاحقة الجميع، لا يهدف إلا إلى إغلاق آخر معاقل الحرية في الكويت، وأول أبواب الحريات العالمية المعاصرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، ولمنع انتقاد الحكومة وأعضاء المجلس فقط، وأن ينتقم من شعب كامل ويعاقبه لأن بعض النواب لحمهم طري وجلدهم ناعم وما يتحملون النقد!وعلى فكرة فإن قوانيننا الحالية مكفّية وموفّية في ملاحقة المغردين، ولدينا في السجون العشرات ممن حكم عليهم بمدد طويلة كفيلة بالقضاء على زهرة شبابهم بسبب تغريدة واحدة، ووصلت هذه الأحكام إلى عشر سنوات، لكن هذا المجلس مصرّ على أن يسجل الرقم القياسي في مجال الخراب التشريعي ولو على حساب حريات الناس هذه المرة، فلم يكفه استباحة المال العام وتخريب المنظومة القانونية، فعاشت الديمقراطية في الكويت!