يجب توجيه سؤال إلى "أصدقائنا" الروس عما يريدونه من نظام بشار الأسد، بعدما أصبح يشكل عبئاً ثقيلاً عليهم وعلى باقي من تبقى معه من الشعب السوري، وبخاصة أبناء الطائفة العلوية الكريمة، وبعدما أصبحت نهايته واضحة كل الوضوح، حتى وإن تواصل إصرار إيران على إبقائه في غرفة الإنعاش إلى أن تنهي معركة تبادل عض الأصابع بالنسبة لمشكلة قدراتها النووية مع الولايات المتحدة الأميركية.

Ad

ما الذي تريده روسيا من نظام غدا متهالكاً، ويعتمد في بقائه على "إبر" الإنعاش التي يواصل الإيرانيون حقنه بها، بينما المفترض أن ينقلوا رهانهم من حالة باتت من الماضي، الذي ولى ولن يعود، إلى المستقبل الواعد الذي هو مستقبل سورية، ومستقبل الشعب السوري، الذي يجب أن يكون رهان دولة عظمى عليه، وليس على بقايا حكم مستبد أوصل بلداً عظيماً كهذا البلد إلى ما وصل إليه؟!

إن المؤكد أن روسيا أدركت، بحكم معرفتها وعلى مدى أكثر من ستين عاماً بسورية، وبمكوناتها السياسية والاجتماعية، وبتوجهات شعبها، أن الحفاظ على مصالحها الحيوية في هذا البلد المحوري والاستراتيجي يقتضي المسارعة بالقفز من زورق آخذ بالغرق، ويقتضي وضع يدها في يد المعارضة السورية الفعلية الموجودة على الأرض، ووضع حد للرهان على معارضة هي أكثر من يعرفها، ويعرف أنها مخترقة حتى النخاع الشوكي، وأنه لا سلاح عندها إلا سلاح البيانات التي ربما كانت تصلح في بدايات نظام بشار الأسد، لكنها لم تعد تصلح إطلاقاً للمرحلة الحالية.

ولعل ما من المؤكد أن الرئيس فلاديمير بوتين يعرفه ويدركه أن معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها، تريد علاقات مصالح مشتركة مع روسيا الاتحادية، وهذا بالطبع لن يتوفر لا الآن ولا في المستقبل القريب ما لم تلتقط موسكو هذه اللحظة المناسبة، وتنقل رهانها من ماضي سورية وحاضرها البائس إلى مستقبلها الواعد فعلاً بدءاً بالانفتاح على المعارضة الفاعلة الموجودة على الأرض، والانضمام إلى الساعين لحلول تحول دون تحول هذا البلد المحوري المهم إلى دولة فاشلة.

لقد حان الوقت لأن تتخذ روسيا مثل هذه الخطوة المنتظرة وبسرعة، وأن تكون البداية بإطلاق سراح مجلس الأمن الدولي بالنسبة للأزمة السورية، وبخاصة أنه قد ثبت أن "الفيتو" الروسي لم يخدم إلا التمدد الإيراني في هذه المنطقة، وأنه شجع نظام بشار الأسد على التمادي في إدارة ظهره لكل الحلول العقلانية، وشجعه على التمادي في حرب الإبادة على الشعب السوري، التي حسب التقديرات الأقرب إلى الصحة أدت إلى قتل أكثر من ربع مليون من أبناء هذا الشعب.

إن المفترض أن المسؤولين الروس يعرفون أن موقفهم من الأزمة السورية، الذي لم يعد مبرراً حتى بالنسبة لشعبهم، هو سبب المشاكل التي يواجهونها من قبل شركائهم في ما يسمى الاتحاد الروسي، وبخاصة الجمهوريات وكيانات ما يشبه الحكم الذاتي الإسلامية، ثم وإن المفترض أنهم يدركون أن استمرارهم في التمسك بنظام بشار الأسد، الذي أصبح بحكم المنتهي فعلاً، سيجعلهم لا يخسرون سورية المستقبل فقط، وإنما معظم الدول العربية التي تشكل مجالاً حيوياً ومنطقة مصالح استراتيجية بالنسبة لروسيا حتى على المدى البعيد!