رغم موافقة عدد من النواب في اللجنة التشريعية على الاقتراح الخاص بتعديل قانون المديونيات الصعبة، بما يعفي الخاضعين للقانون إذا سددوا نسبا عالية تقدر بـ50 في المئة من الدين عن بقية المديونيات المترصدة في ذممهم للدولة، فإن عددا من نواب اللجنة ذاتها سارع إلى التبرؤ من المشروع إرضاء للشارع، وخوفا من ردات الفعل التي واجهت نبأ موافقة اللجنة التشريعية على ذلك الاقتراح الخاص بالمديونيات الصعبة، لما يمثله من تعدّ على الأموال العامة بشكل قانوني ومنظم!
مصيبة الاقتراح ليس ما يعنيه من استفادة بعض الخاضعين لقانون المديونيات الصعبة وعدم استفادة من خضعوا للقانون وسددوا للدولة وخرجوا منه، وبأنه اقتراح لا يراعي حق المساواة بين الدائنين في سداد مديونياتهم للدولة، بل المصيبة في رأيي هي تحول الفكر التشريعي للمشرع الكويتي من الالتزام بتطبيق نصوص القانون وحمايته إلى البحث في ثغرات القوانين والنص عليها من أجل استفادة وتنفيع بعض المتضررين من تطبيقه، ومثل تلك الاستفادة بدت واضحة في بعض التعديلات المقدمة على قانون هيئة سوق المال، لما اتضح في ما بعد من استفادة البعض من تلك التعديلات، واليوم تتضح الصورة أيضا من التعديلات المقدمة على قانون حماية المديونيات الصعبة، والتي أتمنى أن يتجرد النواب جميعهم من أي مصلحة، وأن يكونوا بعيدين عن أي مصالح أقسموا على حمايتها، فمصلحة الكويت وأموالها العامة أكبر من أي مصلحة أخرى.وعلى الرغم من حسن نوايا مقدمي الاقتراح الى مجلس الأمة بشأن تعديل قانون المديونيات الصعبة، فإن الدستور نص، وبكل وضوح، على أن للأموال العامة حرمة، وتلك الحرمة تعني فكرة التقديس في سبيل حمايتها والدفاع عنها، فالأموال العامة ليست ملكا لمجلس الأمة ولا لنوابه ولا للحكومة أو وزرائها، بل هي ملك للشعب، وما النواب والوزراء سوى مؤتمنين عليها، فإن خانوا تلك الأمانة فقد وجبت محاكمتهم وفق قانون حماية الأموال العامة، لكونهم بحكم الموظفين العامين المؤتمنين عليها، وتلك الأمانة تبدأ بأداء القسم الدستوري الذي يؤديه النواب والوزراء قبل مباشرتهم أعمالهم وأدائهم مسؤولياتهم بالقسم «أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للوطن وللأمير، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله، وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق»، بل وتتجسد تلك الأمانة أيضا في ما يباشرونه من أعمال ومسؤوليات كالرقابة والتشريع والعمل بصدق وأمانة.ليس القسم وحده هو مناط المسؤولية الملقاة على عاتق النواب والوزراء، بل المسؤولية الكبرى هي في فكرة الحفاظ على الوكالة التي منحتها الأمة للنواب أو الوزراء ممن تم توزيرهم بعد فوزهم بالمجالس النيابية، تأكيدا لفكرة الوكالة عن المجتمع، فالدستور الكويتي نص على فكرة توكيل الأفراد للنواب داخل مجلس الأمة لممارسة اختصاصات الرقابة والتشريع، وتأكيدا لتلك الوكالة أقسم النواب على الحفاظ على الدستور والذود عن مصالح الشعب وحماية الأموال العامة وخروج النواب عن تلك المبادئ وغيرها الواردة في القسم، فإنها تكون خروجا عن فكرة الوكالة وتمثيل الأمة بأسرها إذا ما ثبت خروج النواب عن تلك المبادئ، ومن بينها الحفاظ على أموال الشعب لثبوت تحللهم منه.
مقالات
مرافعة : حين يبحث المشرّع عن ثغرات!
10-03-2015