منذ سنوات والحكومة ووزاراتها المتخصصة في قضايا الطرق والمواصلات تتخبط وتدور في حلقة مفرغة بشأن حل مشكلة الاختناقات المرورية والزحام وضعف منظومة المواصلات العامة في مدينة الكويت وضواحيها، ومنذ سنوات طويلة أيضاً صدرت التوصيات العلمية والعملية لحل المشكلة المتمثلة في تطوير الطرق وإنشاء شبكة المترو التي فشلت الدولة في تحقيقها، في وقت احتفلت معظم العواصم الخليجية أو ستحتفل قريباً بافتتاحها.

Ad

وعندنا، كلما زادت مشكلة الزحام وزاد فشل الحكومة في حلها أصدرت قرارات غريبة ومهينة ولا إنسانية بحق الوافدين الذين يعيشون معنا، ويشاركون في بناء وطننا وتقديم كل الخدمات المهمة لحياتنا. في ما يخص رخص قيادة السيارات التي منحت لهم - وهي حاجة مهمة للأسرة أياً كانت جنسيتها- وكان آخرها القرارات المرورية التي صدرت عن وزارة الداخلية والتي لا شبيه لها حول العالم، بما حملته من مواد تعسفية و«قراقوشية»، بل إن بعضها شبه فاشي.

القرارات الجديدة تنص على أن الوافد الذي يغير مهنته تسحب منه رخصة القيادة الممنوحة له من دولة الكويت... يا سلام! يعني إذا كان رب أو ربة أسرة وافدة لديها «ليسن» ورتبت أمور أسرتها وأولادها ومدارسهم على أنها تمتلك سيارة وأراد أو أرادت ترك الوظيفة والانتقال إلى وظيفة أفضل أو فقد رب الأسرة وظيفته وانتقل إلى وظيفة أخرى تسحب منه الرخصة وتصبح العائلة كلها في الشارع بين الباصات وسيارات الأجرة صباحاً ومساءً!

وسيكون هناك قرار آخر له تبعات ضخمة ينص على أن إجراءات منح الرخصة تُكرر من البداية لحاملها الوافد كل عامين! ما يعني مئات ألوف المراجعات والدورات المستندية التي ستمتلئ بها إدارات المرور على مدار العام، بما يرافقها من تكاليف إدارية وفنية.

المؤسف أنهم يعيدون نفس التجارب السابقة التي كانوا يعتقدون أنها ستحل مشكلة الزحام، وجربوها عدة مرات على مدى 15 عاماً ولم تفلح في تحقيق ذلك، وكان آخرها حملات اللواء عبدالفتاح العلي التي سحب خلالها أعداداً هائلة من رخص الوافدين، وكثير منها مستحق لأن المخالفات المرورية الجسيمة أصبحت في العديد من دول العالم الأول سبباً في إلغاء تأشيرة السفر، وذلك للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وليس من أجل حل مشكلة الاختناقات المرورية التي تحتاج إلى قرارات تنظيمية ومشاريع كبرى، لا سحب رخص قيادة الوافدين.

بالتأكيد، إن من حق ملايين الوافدين الذين سيفرض عليهم استخدام وسائل النقل العام، أن يتساءلوا: هل هناك وسائل نقل منظمة وتراعي إنسانيتهم بخدمة نقل محترمة في الكويت؟ أليست سيارات الأجرة في الكويت لا تستخدم العدادات دون مساءلة أو نظام ومتابعة ومراقبة من أي جهة، ودون وجود شركات أجرة – كما هو موجود في دبي والدوحة - تضمن جودة السيارات المستخدمة ونوعيتها بعيداً عن الرخص «الدكاكينية» التي منحت لتسيير سيارات الأجرة، وما رافقها من أقاويل عن الفساد والمحسوبية.

وفي ما يخص حافلات النقل العام فهي متهالكة، وتستخدم نفس المحطات وخطوط السير، ولا توجد مسارات مخصصة لها على الطرق تضمن لها جودة الخدمة والسرعة كبقية المدن الراقية حول العالم، أليس من الأولى بداية صدور قرارات من الحكومة لتنظيم تلك القطاعات قبل كب الوافدين وأسرهم على الطرقات للذهاب إلى أعمالهم التي يعتبر بعضها حيوياً ومصيرياً لحياتنا؟ وكيف سنحترم أنفسنا إذا عانت ألوف الأسر الوافدة في إيصال أولادها إلى مدارسهم وقضاء حاجياتهم الحياتية اليومية في مناخ الكويت الصعب ثم طالبناهم بعد ذلك بإتقان أعمالهم وخدمة وطننا؟! ولأنني أعلم أن لا وسيلة إعلامية ستتبنى نصرة الوافدين وتضع «مانشيتات» تنتقد التعسف الذي ورد في القرارات المرورية الأخيرة فإنني أطالب مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة المعنية بحقوق الإنسان أن تتبنى مطالبات إلى مجلس الوزراء لإلغائها.