في اعتداء هو الأكثر دمويةً في فرنسا منذ 40 عاماً، اقتحم متطرفون مدججون بالسلاح صحيفة «شارلي إيبدو» الأسبوعية الساخرة في قلب باريس وتمكّنوا من تصفية إدارتها، التي لا تتردد في نشر صور مستفزة ساخرة من المسؤولين والنجوم وكل الأديان، وكان آخرها تغريدة معايدة ضاحكة لخليفة «داعش» أبوبكر البغدادي مرفقة بصورة كاريكاتورية له.  

Ad

ونقلت وكالة «رويترز» عن المقاتل السوري في صفوف «داعش» أبو مصعب اشادته بالهجوم، معتبراً أنه انتقام من إهانة المجلة الفرنسية للإسلام.

وقال أبو مصعب للوكالة عبر الإنترنت من سورية: «لقد ثأر أسود الإسلام لنبينا. وهذا هو أول الغيث. والقادم أسوأ»، مبيناً أنه ورفاقه من المقاتلين ابتهجوا بالهجوم.

وتابع: «ليخف أولئك الصليبيون، وينبغي عليهم أن يخافوا»، مشيراً إلى أن المسلحين الذين نفذوا الهجوم «يمشون على خطى أمير المؤمنين (أبو بكر البغدادي)، وشيخنا (زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن)».

وفي الهجوم، الذي أعاد باريس إلى الأجواء الحالكة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، باغت ثلاثة ملثمين بالرشاشات وقاذفة صواريخ مقر الصحيفة، وقتلوا 12 بينهم أشهر رسامي الكاريكاتور شارب وكابو وولينسكي وتينوس، وشرطيان.

ومع تحوّل الشارع، الذي تقع فيه مكاتب أسبوعية «شارلي إيبدو» إلى «بحيرات من الدماء»، أعلنت السلطات الفرنسية حالة الإنذار القصوى في العاصمة، في حين أطلقت رئاسة الحكومة العنان للشرطة في استخدام «كل الوسائل» لـ»كشف واعتقال» المهاجمين، مشيرة إلى أنها وضعت وسائل الإعلام والمحلات التجارية الكبرى ووسائل النقل تحت «حماية مشددة».

وأُمكن من خلال شريط فيديو لمصور هاوٍ، التقطه أثناء الهجوم من سطح مجاور للصحيفة، سماع أحد القتلة في لباس أسود وبيده بندقية كلاشنيكوف وهو يهتف «الله أكبر»، ثم سُمِع مسلح آخر يقول «قتلنا شارلي إيبدو»!، وذلك قبل أن يُصفّي أحدهما برصاصة شرطياً جريحاً كان ممدداً على الأرض، وبعدها أرغما سائقاً على الخروج من سيارته واستقلاها فصدما أحد المارة ثم تخليا عنها واختفيا.

ومنذ تسع سنوات تتعرض هذه الأسبوعية الساخرة لتهديد تيارات الإسلام المتطرف، ويُرجَّح أن استهدافَها جاء في سياق تنفيذ المهاجمين تعليمات صدرت عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للانتقام بعد رسوم اعتُبِرت مسيئة للنبي محمد (ص) في 2006، حيث أعادت على غرار صحف أوروبية أخرى، نشر 12 رسماً للنبي كانت نشرتها صحيفة «ييلاندس بوستن» الدنماركية، وذلك تحت شعار حرية التعبير.

كما صدرت في الأشهر الأخيرة العديد من الدعوات، عن متطرفين إسلاميين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى مهاجمة فرنسا بسبب انخراطها العسكري في العديد من الجبهات في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وعلى الفور، توجّه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى مكان الاعتداء في الدائرة الحادية عشرة من باريس للتنديد، ليصفه بأنه «هجوم إرهابي وعمل على قدر استثنائي من الوحشية»، كاشفاً عن «إحباط عدة اعتداءات إرهابية» مماثلة خلال الأسابيع الأخيرة.

وإذ دعا هولاند إلى «الوحدة الوطنية»، عقد في قصر الإليزيه «اجتماع أزمة» رفعت على إثره فرنسا مستوى الإنذار في باريس وضواحيها إلى الحد الأقصى، أي «إنذار بوقوع هجمات».

في غضون ذلك، توالت ردود الفعل المنددة بالحادث، الذي تسبب في صدمة فرنسية وعالمية كبيرة، وجاء في خضم موجة كراهية تتزايد رقعتها يوماً بعد يوم ضد المسلمين والمهاجرين، يتردد صداها بقوة في أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص.

وشدد عدد كبير من قادة الدول على إدانتهم الشديدة للهجوم «الإرهابي» و«البربري»، وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أول المنددين، معرباً عن تضامنه مع فرنسا في معركتها ضد الإرهاب.

وفي حين وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما الحادث بأنه «إرهابي»، أعرب وزير خارجيته جون كيري عن تضامن الولايات المتحدة مع فرنسا، مضيفاً باللغة الفرنسية خلال مؤتمر صحافي في واشنطن: «أريد أن أتوجه مباشرة إلى الباريسيين وإلى كل الفرنسيين لأقول لهم إن جميع الأميركيين يقفون إلى جانبكم».

وفي القاهرة، دان الأزهر الهجوم «الإجرامي»، مؤكداً أن «الإسلام يرفض أي عنف»، كما أعلنت الجامعة العربية أنها «تندد بشدة بهذا الهجوم الإرهابي»، كذلك عبّرت السعودية عن إدانتها الكاملة.

وبينما بعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسالة تعزية إلى هولاند يدين فيها بـ«حزم» الهجوم «الإرهابي»، نددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في رسالة تعزية إلى الرئيس الفرنسي بالهجوم ووصفته بأنه «حقير».

وفي كندا، ندد رئيس الوزراء ستيفن هاربر بالهجوم «الإرهابي البربري». ووصفت مدريد الهجوم بأنه «عمل إرهابي جبان وخسيس».

كما ندد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بالهجوم «البربري الذي لا يطاق». وفي فرنسا نفسها، دان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الهجوم، وأكد «باسم المسلمين في فرنسا» أنه عمل «بربري بالغ الخطورة وهجوم على الديمقراطية وحرية الصحافة».

وفي بيان منفصل، ندد اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا القريب من جماعة الإخوان المسلمين بـ«أشد العبارات بالهجوم المجرم وعمليات القتل المرعبة».

بدوره، قال الحاخام الأكبر للطائفة اليهودية حاييم كورسية إنه «وقت الحزن يجب أن نجتمع كلنا». كما أدانت الطبقة السياسية في فرنسا بكل أطيافها الهجوم.

(باريس، واشنطن، لندن، القاهرة، برلين - أ ف ب، رويترز، د ب أ)