لا قيمة لمحبة شخص لا يصاحبها احترام لهذا الشخص. أن تحبني يعني أن تحترمني، بل أن تحترمني قبلها، لأن محبةً خالية من احترامك لي ليست سوى شعور مضطرب سمج لا قيمة له ولا يُرتَجى منه أن يقيم صلب العلاقة الإنسانية بيننا.

Ad

 لا يمكن أن تنجح أي علاقة إنسانية وأن يُكتَب لها الاستمرار بشكل صحي وسليم، إلا إذا استندت على أساسيين رئيسيين اثنين، الثقة والاحترام. وهذه القاعدة تسري على كل العلاقات الإنسانية التي يمكن أن نعايشها على مختلف الصُّعُد. تسري ابتداءً من علاقاتنا في دوائر العمل؛ الزملاء بعضهم مع بعض، والرئيس ومرؤوسيه والبائع والمشتري والموظف والعميل، مروراً بعلاقاتنا في الحياة الاجتماعية؛ الأصحاب والأصدقاء والمعارف بعضهم مع بعض، وانتهاء بحياتنا الأسرية؛ الآباء والأبناء والإخوة والأزواج والأقرباء، وغيرها.

وقد يظن بعض الناس، وقد كنت منهم ذات يوم، أن تبادل المحبة بين شخصين كفيل بأن يُنجح العلاقة بينهما، لكن ثبت أن هذا الظن، على الرغم من شاعريته، مغرق في التبسيط للأسف، وأظهرت تجارب الحياة وأخبار الناس بالدليل القاطع كم هو غير صحيح. كم من العلاقات الإنسانية قامت ابتداءً على المحبة وانتهت بعد ذلك إلى الفشل الذريع، ولعل بعضها وصل إلى التنافر والتناحر، وكل ذلك بعدما تآكل نسيج الثقة وتهدَّم جسر الاحترام بين أطرافها.

حين يتآكل نسيج الثقة بين شخصين لن يفيدهما حينئذٍ أن علاقتهما قد قامت يومَ بدأت على محبة متبادلة. بل حين تهتز ثقتي بشخص ما فإن محبتي له تأخذ في الاهتزاز أيضاً، وبقدر ما يخسر من ثقتي به فإنه سيخسر بذات القدر، وفي ذات الوقت، من محبتي له. وهذه قاعدة ثابتة، اللهم إلا في حالات المحبة الفطرية كحب الوالدين لأبنائهما مهما بدر من هؤلاء الأبناء، أو في الحالات الشاذة والمَرضية كمحبة المازوخيين لمعذبيهم أو المتسلطين على رقابهم.

وفي الكفة الأخرى، فإن عامل الاحترام مهم أيضاً بنفس القدر، فلا قيمة لمحبة شخص لا يصاحبها احترام لهذا الشخص. أن تحبني يعني أن تحترمني، بل أن تحترمني قبلها، لأن محبةً خالية من احترامك لي ليست سوى شعور مضطرب سمج لا قيمة له ولا يُرتَجى منه أن يقيم صلب العلاقة الإنسانية بيننا.

أكررها مجدداً: كل العلاقات الإنسانية أقرب لأن تزدهر وتثمر وتنجح إن هي قامت على الثقة والاحترام. تخيلوا علاقات الناس في العمل وهي محاطة بالثقة والاحترام، وتخيلوا علاقات الناس في الحياة الاجتماعية وهي مكسوة بالثقة والاحترام، وتخيلوا علاقات الناس في حياتهم الأسرية وهي محصنة بالثقة والاحترام، وأنا واثق أنكم حينئذٍ لن تملكوا إلا أن تروا صوراً مشرقة جميلة لعلاقات ناجحة، بل ستشعرون بوجود عنصر المحبة في ذات الصورة بقدرٍ ما، بالرغم من أننا لم نذكره ابتداءً، وفي المقابل لو أنكم تخيلتم علاقات خالية من الثقة والاحترام والتقدير فلن يمكن مطلقاً أن تقولوا إنها علاقات ناجحة بحال من الأحوال، بل لن يسعكم أن تنسبوا الصورة إلى أي شكل من أشكال المحبة أبداً.

خلاصة القول هي أنه عندما يوجد عنصرا الثقة والاحترام فإنهما يعززان المحبة، إن كانت موجودة منذ بدء العلاقة، ويقودان إلى إيجادها إن لم تكن موجودة، وعندما ينعدمان فإن المحبة ستذوي بدورها وتتلاشى!