ما قل ودل: الغرامات المالية المفروضة على الوافدين وأزمة الطاقة (2)

نشر في 30-12-2014
آخر تحديث 30-12-2014 | 00:01
 المستشار شفيق إمام تحت عنوان "الغرامات المالية المفروضة على الوافدين أزمة إدارة أم أزمة دستور وقانون (1)" بينا التفسير السليم للمادة (12) من قانون إقامة الأجانب الصادر بالأمر الأميري رقم 17 لسنة 1959، وهو التفسير الذي جرت إدارات الإقامة على العمل به منذ صدور هذا القانون وبعد التعديلات المتلاحقة عليه، وإن التعميم رقم 21 الصادر في 8 ديسمبر سنة 2014 الذي أمر الإدارات المختصة بإقامات الأجانب بفرض غرامة مالية على الوافدين الذين لم يزودوا هذه الإدارات بتجديد صلاحية جوازاتهم، هو تفسير جديد للقانون المذكور.

أزمة الطاقة

ولأن هذا التعميم يصادف صدوره أكبر صدمة يعانيها الاقتصاد العالمي، نتيجة أزمة الطاقة بسبب التراجع الكبير لأسعار النفط ربما يكون لها عواقب وخيمة على المدى الطويل وفقا لرأي المحللين، وإن على الدول المتأثرة بهذه الأزمة أن تتخذ قرارات صعبة، فإن هذا التعميم قد يكون من بين هذه القرارات الصعبة، وقد هللت الصحافة وكبّرت لنجاح إدارات الإقامة التي حققت من هذه الغرامات حصيلة بلغت 300 ألف دينار كويتي في يومين، وهو نجاح لا أبخس هذه الإدارات حقها فيه.

وتعتبر دول الخليج من الدول المتأثرة أكثر من غيرها بهذه الأزمة، فقد فوت بعضها فرصا كثيرة في تنويع مصادر دخلها، حيث تعتمد معظمها على العائدات النفطية بنسبة 90% من إيراداتها العامة، وهي تضخ 17.5 مليون برميل يوميا، وقد تراجعت أسعار النفط بما يهددها بخسارة نصف عائداتها النفطية. ووفقا لرأي صندوق النقد الدولي أنه عدا سلطنة عمان والبحرين اللتين تعانيان أصلاً عجزا في موازنتيهما العامتين فإن الدول الخليجية الأخرى لن تتأثر بشكل كبير على المدى القصير، إذ يمكنها أن تلجأ إلى تحوطاتها المالية البالغة نحو 2500 مليار دولار.

ولكن هذه التحوطات ستؤمن غطاء مؤقتا فقط، وبدأ بالفعل صدور قرارات صعبة في بعض دول المنطقة ومنها الكويت التي قررت إجراء اقتطاعات كبيرة من الإنفاق. وربما يكون من هذه القرارات الصعبة التفسير الجديد لقانون إقامة الأجانب، وإن لم تراع تداعياته الاجتماعية الصعبة على العمالة الوافدة التي تتكون أغلبيتها من عمالة بسيطة تتقاضى أجورا متدنية، وهي عاجزة كل العجز عن سداد هذه الغرامات الفادحة، التي تصل بالنسبة إلى بعض أصحاب هذه الجوازات إلى ثلاثة آلاف دينار، عندما يكون لدى صاحب الجواز أربعة أولاد، يقيمون معه ويضمهم جواز سفر واحد، فضلا عن الغرامة المفروضة على زوجته بطبيعة الحال.

الطاقة من أجل الفقراء

ويطل علينا في هذا السياق مؤتمر الطاقة العربي العاشر الذي عقد في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة برعاية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان تحت شعار "الطاقة والتعاون العربي" ونظمته وأشرفت عليه منظمة "أوبك" والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين، ويهدف إلى ربط الطاقة بالتنمية.

حيث استهل مدير عام صندوق الأوبك للتنمية الدولية "أوفيد" سليمان جاسر الحربش، مداخلته خلال حلقة النقاش التي عقدت بعنوان الاستثمارات اللازمة لتطوير قطاع الطاقة في الدول العربية، بالإشادة بمبادرة الطاقة من أجل الفقراء التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، في اجتماع جدة للطاقة (يونيو 2008) لتفعيل إعلان قمة أوبك الثالثة في الرياض (نوفمبر 2007) الذي نادى بضرورة اجتثاث فقر الطاقة، وأناط هذه المهمة بـ"أوفيد" وغيره من المؤسسات التنموية. وقال الحربش إن مبادرة خادم الحرمين دعت المجتمع الدولي للارتفاع إلى مستوى المسؤولية، وتكثيف الجهود لتحقيق رؤية إنسانية عميقة وشاملة تسمو إلى آفاق الإخاء والتكافل اللذين يتحقق بهما النجاح.

ومن هنا جاء هذا التعميم خارج هذا السياق.

الغرامة المالية عقوبة يحكم بها قاض

وبفرض التسليم جدلا، بأن التفسير الجديد لقانون إقامة الأجانب هو التفسير الصحيح، وأن ما كانت تجري عليه إدارات الإقامة من تفسير مخالف طوال السنوات الطويلة الماضية قبل صدور هذا التعميم كان خطأ تداركته الإدارة، فإن عدم تزويد هذه الإدارات بتجديد أو تمديد صلاحية الجواز، في وقت كانت فيه إقامته التي رخصت بها إدارة الإقامة صالحة للعمل بها، وأن الوافد لم يتأخر يوما واحدا عن تجديد إقامته أو عن تمديد جواز سفره أو تجديده، فإن عدم تزويد الإدارة المختصة بذلك لا يشكل جرماً يهدد الأمن القومي، كما قيل تبريراً لهذا التعميم.

فالغرامة المالية هي عقوبة يحكم بها قاض، وفقا للمادة (19) من الدستور، عن ذنب نص عليه القانون، وهي رد فعل الجاني الذي ارتكبه، فهي عدل الجريمة أو مقابلها، ولذا يجب أن يلاحظ فيها التناسب بينها وبين ما وقع من الجاني.

ولا ريب في أن القاضي الذي سوف يطبق هذه الغرامة على من خالف مثل هذا القرار القاضي بتزويد إدارة الإقامة بتجديد أو تمديد صلاحية جواز سفره، سوف يكون حكمه عنوان الحقيقة فيما ارتكبه الجاني من فعل، وهل هو محل تجريم أم أنه لا جريمة في هذا الفعل، وسوف يقدر ما يتناسب من غرامة مع هذا الفعل، وقد يقضي بوقف تنفيذ العقوبة التي يحكم بها إذا تبين له من أخلاق المتهم أو ماضيه أو سنّه أو الظروف التي ارتكب فيها الفعل الذي يحمل على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكابه، أو قد يرى القاضي إزاء هذه الظروف الامتناع عن النطق بالعقاب.

إلا أن إدارة الإقامة والجوازات والهجرة ترفض إحالة المتهم إلى القضاء، ليتولى شأنه في أمره، وتفرض عليه قبول الصلح، الأمر الذي ينطوي على مخالفة لأحكام المواد 19 و34 و166 من الدستور.

ولا ريب أن الدستور هو الأعلى مرتبة من قانون الإقامة ومن التعميم سالف الذكر، وإذا كنا نطالب المقيم باحترام القانون، فالقانون يطول الحاكم كما يطول المحكوم.

back to top