ما الذي أخفق في عام 2008؟
لحل أي مشكلة لا يكفي أن تعرف ماذا ينبغي لك أن تفعل، بل يتعين عليك أن تنفذ الحل، وأن تكون على استعداد لتغيير المسار إذا تبين لك أن ما تعرفه ليس كثيراً بالقدر الذي كنت تتصوره، هذه هي الرسالة التي يبثها كتابان حديثان والتي تنبئنا بكل شيء نحتاج إلى معرفته عن أزمة 2008 المالية: ما الأسباب التي أدت إلى اندلاعها؟ وماذا نستطيع أن نفعل لمنع تكرارها؟ ولماذا لم نفعل أي شيء حتى الآن؟الكتاب الأول بعنوان "التحولات والصدمات" من تأليف الصحافي البريطاني المحافظ مارتن وولف، الذي يبدأ فهرسة بالتحولات الكبرى التي مهدت الساحة للكارثة الاقتصادية التي لا تزال تشكل العالم اليوم، وتتلخص نقطة البداية التي انطلق منها في الارتفاع الكبير في الثروة بين أكثر 0.1 في المئة وأكثر 0.01 في المئة بيننا ثراء، والضغوط المترتبة على ذلك، والتي دفعت الناس والحكومات والشركات إلى تحمل مستويات لا تطاق من الديون.
ومن ناحية أخرى، استسلم صناع السياسات لإغراء الشعور بالرضا عن الذات بفِعل القبول الواسع النطاق لنظريات اقتصادية، مثل "فرضية كفاءة الأسواق"، التي تفترض أن المستثمرين يتصرفون بعقلانية ويستخدمون كل المعلومات المتاحة عند اتخاذ القرارات، ونتيجة لهذا تم تحرير الأسواق من القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى تيسير تداول الأصول التي كان من المتصور أنها آمنة، ولكنها في واقع الأمر لم تكن كذلك، ونتيجة لهذا، تكاثرت المخاطر الجهازية بما يتجاوز حدود أكثر خيالات محافظي البنوك المركزية جموحا.ثم تسببت هذه الافتراضات غير المختبرة- وغير الصحيحة في نهاية المطاف- في خلق بيئة لصنع السياسات، يحدد معالمها ما لا يمكن تسميته إلا الغطرسة، فقد استخف المسؤولون بالمخاطر النادرة الحدوث، وحددوا هدف التضخم بنحو 2 في المئة، الأمر الذي لم يترك مجالاً كبيراً للمناورة عندما تعقدت الأمور، وكان الأمر الأكثر تهوراً على الإطلاق عندما قدم الاتحاد الأوروبي اليورو كعملة مشتركة.الواقع أن عملية صنع السياسات الخاطئة استمرت فترة طويلة بعد اندلاع الأزمة، واستجاب الساسة للظروف الاقتصادية المتزايدة السوء بالتمسك قدر الإمكان بوصفات فاشلة، وكانوا حريصين على عدم القيام بأي شيء لا يشكل ضرورة قصوى لمعالجة أكبر كارثة اقتصادية على الإطلاق منذ أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين.وكانت وصفة وولف لمواجهة الأزمة بسيطة وذكية ومنيعة، ففي الأمد القريب، اقترح أن تزيد البلدان ذات الاحتياطي من العملات من إنفاقها، وخصوصا لتمويل استثمارات القطاع العام، وأن تصدر المزيد من الديون، زعم أن البنوك المركزية في هذه البلدان لابد أن ترفع هدف التضخم إلى 3 في المئة أو حتى 4 في المئة سنويا. وفي الأمد المتوسط، تحتاج البلدان وفقاً لوصفة وولف إلى اتخاذ تدابير تنظيمية تعمل على خفض مستويات الدين وتثبيت الاستدانة المفرطة.ويتعين على منطقة اليورو أيضاً أن تحل تناقضاتها الداخلية، إما بحل نفسها أو تقديم "الحد الأدنى من المؤسسات والسياسات" الكفيلة بالسماح للاتحاد النقدي بالعمل على النحو اللائق، وتتضمن حلول وولف للأمد البعيد معالجة التفاوت، و"تنظيمات أكثر عالمية"، ودرجة أكبر من "الحرية للبلدان الفردية تسمح لها بصياغة استجاباتها بنفسها"، والتحليل الاقتصادي الأقل خضوعاً لأنصار السوق الحرة التي ساقتنا إلى الأزمة في المقام الأول. ولكن بقدر ما قد تكون مقترحات وولف مستحبة، لم يحدث إلا أقل القليل لتنفيذها، وبوسعنا أن نجد السبب وراء هذا في الكتاب الثاني: "قاعة المرايا" الذي ألفه صديقي المعلم باري آيكنغرين.يتبع آيكنغرين استجابتنا الفاترة للأزمة إلى انتصار الاقتصاديين النقديين، تلامذة ميلتون فريدمان، على أنصار جون ماينارد كينز وأقران مينسكي، على الأقل عندما يتعلق الأمر بتفسير أسباب وعواقب أزمة الكساد الأعظم، فعندما اندلعت الأزمة المالية في عام 2008، حاول صناع السياسات تطبيق الحلول التي اقترحها فريدمان لمواجهة الكساد الأعظم. وللأسف، تبين أن ذلك كان خطأً كبيرا، تماماً كما كان التفسير النقدي للكساد الأعظم خاطئاً في نواح كثيرة ومنقوصاً بشكل جذري.وكانت السياسات الناتجة كافية لمنع ركود ما بعد عام 2008 من التطور إلى كساد تام النضج؛ ولكن تبين أن ذلك النجاح الجزئي كان باهظ الثمن، لأنه سمح للساسة بإعلان التغلب على الأزمة وأن الوقت حان لتبني التقشف والتركيز على الإصلاح البنيوي. وكانت النتيجة اقتصاد اليوم الراكد، والذي يتسم بالنمو الهزيل الذي يهدد بالتحول إلى الوضع المعتاد الجديد، والآن أصبحت الولايات المتحدة وأوروبا على المسار إلى إهدار 10 في المئة من ثرواتهما المحتملة، في حين أصبح الاقتصاد العالمي بفضل الفشل في تعزيز تنظيم القطاع المالي عُرضة لخطر الانزلاق إلى أزمة كبرى أخرى. لعل وولف وآيكنغرين يتفقان على أن أوجه القصور الرئيسية التي أدت إلى الأزمة المالية في 2008- والتي لا تزال تشكل استجابتنا غير الكافية لها- فكرية في الأساس، وفي واقع الأمر يبدو أن الدرس الحقيقي الوحيد المستفاد من الأزمة حتى الآن هو أننا لن نتعلم دروسها حقاً أبدا.* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»