تقسيم واستقلال الدول

نشر في 08-09-2014
آخر تحديث 08-09-2014 | 00:01
 أ.د. غانم النجار يصوت الأسكتلنديون في ١٨ سبتمبر على الاستقلال عن بريطانيا. حدث تاريخي بكل المقاييس. حديث الاستقلال والانفصال هو حديث الساعة، مع تقلبات الأحداث، وانعدام الاستقرار، واضطراب الحالة الأمنية، وتصدر الفرق الطائفية والعرقية والاثنية وغيرها المشهد، وما "داعش" إلا ثالثة الأثافي، فبقدر ما يمس الحديث بريطانيا فإنه يمسنا بشكل مباشر.

كنا ننتظرها من الشرق فجاءت من الغرب. الأدبيات العربية لا تخلو من حديث المؤامرة التي تستهدف العرب وتقسيمهم إلى دويلات، علماً بأن حدودنا القائمة هي ذاتها مؤامرة استعمارية، إن شئت، كانت أحد مؤشراتها بين سايكس وبيكو، ولحقهما بيرسي كوكس ١٩٢٢ في مؤتمر العقير، بينما الانقسامات تحدث في الغرب.

مشروع "الدولة العربية" الذي كان متاحاً له الظهور كان ما ظنه الشريف حسين ممكناً مقابل مساندته بريطانيا والحلفاء في الحرب العالمية الأولى، فما ان تحقق لهم الانتصار حتى أداروا له ظهر المجن، وكان أن أرادوا تعويض أولاده بسورية، ثم استقر الأمر على المملكة العراقية وإمارة شرق الأردن، وهكذا كان.

بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي، شهد العالم أكبر عملية تفكيك جماعي للدول بالتاريخ الحديث، فقد خرج من داخل جوف الاتحاد السوفياتي وحده قرابة خمس عشرة دولة، وانضمت للأمم المتحدة دون مشاكل تذكر، في حين عانت الكويت عند استقلالها ١٩٦١ حين استخدم الاتحاد السوفياتي الفيتو ضد دخولها. ولم تكن عمليات التفكيك كلها سلمية، فقد دخلت يوغوسلافيا السابقة حروباً عرقية ودينية، في البوسنة، وكرواتيا وصربيا. ونتج عن ذلك ٦ إلى سبع دول مستقلة بانتظار مصير كوسوفو النهائي المتجه إلى الاستقلال على أية حال.

هناك دول "تخارجت" بالتفاهم الثنائي كتشيكوسلوفاكيا، وهناك دول دخلت حروباً طويلة كجنوب السودان، ثم اشتعلت بها حرب أهلية أخرى بعد الاستقلال، ودول ساهمت الأمم المتحدة والضغط الدولي في استقلالها كتيمور الشرقية وغير ذلك من الحالات. وغالباً ما تواجه تلك الدول المتحولة إشكاليات في قضية الجنسية، وهكذا برزت مشكلة البدون في عدد منها، ولاتفيا إحدى جمهوريات البلطيق نموذج واضح.

لأسباب كثيرة فإنه يغلب على المجتمعات اتجاهها نحو الانفصال أكثر من التوحد، بل إن دولة كباكستان انفصلت عن الهند لتأسيس دولة إسلامية، انقسمت هي ذاتها، واستقلت عنها بنغلادش في حرب ضروس سنة ١٩٧١، بينما ظلت الهند دولة مركزية قوية، على الرغم من نظامها الفدرالي، ورغم الاختلافات الحادة داخلها، ورغم أن عدد المسلمين فيها يتجاوز عددهم في باكستان. وباستثناء توحيد ألمانيا واليمن، مع الفارق في النتائج بالطبع، فمن النادر أن نجد دولاً تعود إلى سابق عهدها دولة مركزية، أما تجربة الاتحاد الأوروبي، فمازالت كياناً دون الدولة المركزية، ومازال الاتحاد يعاني إشكاليات كثيرة دفعت بعدة دول بما فيها بريطانيا إلى التحدث عن الخروج منه، وانتشر في الاصطلاح السياسي الأوروبي مصطلح "الشك بأوروبا".

ونعود إلى ما بدأنا به، كيف لبريطانيا أن تنقسم في داخل جزيرتها؟

وهل ستستقل أسكتلندا فعلاً؟ ذلك ما سنشرحه لاحقاً من خلال جولتي في أسكتلندا وزيارتي لحملتي "نعم"، و"لا" في غلاسغو وأدنبرة.

back to top